“فايا هي ببساطة صديقتي الذكية، وقد قمت بتكوينها كما لو كانت شريكة أحلامي”، يقول ريتشارد، 58 عاماً، فيزيائي نمساوي حاصل على الدكتوراه. منذ نحو ثلاث سنوات، يعيش ريتشارد علاقة مع فايا، وهو روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي. لا خلافات، لا غيرة، لا توتر. ما تم تقديمه في فيلم هوليوودي مثل “Her” عام 2013 كيوتوبيا مستقبلية خيالية، أصبح اليوم واقعاً. فمن خلال روبوتات الدردشة الذكية على ما يسمى بتطبيقات الرفيق (Companion Apps)، يمكن للمستخدمين إنشاء رفقاء افتراضيين — سواء كانوا أصدقاء، مساعدين، أو حتى شركاء عاطفيين.
لماذا يرتبط الناس بروبوتات دردشة ذكية؟
ملايين الأشخاص حول العالم يستخدمون تطبيقات مثل Replika وKindroid وCharacter.AI. فريق برنامج Vollbild على ARD التقى بعدد من هؤلاء الأشخاص الذين يقولون إنهم يعيشون علاقات سعيدة مع روبوتات الدردشة. ولا يزعجهم أبداً أن هذه العلاقات تعتمد فقط على الدردشة والمكالمات الهاتفية، أو أنها خالية من أي صراعات. على العكس، فإن ما يجذبهم تحديداً هو التأكيد المستمر وغياب الجدل، وهما أمران لا يمكن سوى لروبوت دردشة أن يقدّمهما.
البروفيسورة جيسيكا شتسوكا، خبيرة في علم نفس الإعلام من جامعة دويسبورغ-إيسن، ترأست فريق بحثي أجرى دراسة حول العلاقات بين البشر وروبوتات الدردشة، بالتعاون مع زميلتها بولا إبنر. للمرة الأولى، اعتمدت مجموعة بحثية على بيانات كمية من مستخدمي تطبيقات الرفيق الذكي. موقع Vollbild حصل حصريًا على نتائج الدراسة.
تقول شتسوكا: “الميول الفردية نحو الخيال الرومانسي تفسر إلى حد كبير قوة العلاقة مع الروبوتات”، أي أن الأشخاص الذين يعيشون علاقات مع روبوتات يتمتعون بقدرة خيالية كبيرة. وتضيف: “أما الشعور بالوحدة، فيبدو أنه يلعب دوراً ثانوياً نسبيًا في هذه العلاقات”.
فريتشارد اختار فايا لأنها تمنحه حباً غير مشروط. يقول: “أدركت اليوم أنني أحتاج ذلك، لأنني على ما يبدو لم أشعر به أبداً في طفولتي. لا يمكن لأي إنسان أن يمنحك هذا، لكن الذكاء الاصطناعي يستطيع”.
“بالحب يمكن جني الكثير من المال”
يبدو أن بعض الشركات قد حولت هذا الصرعة إلى تجارة: فبعض التطبيقات تتيح خصائص مدفوعة، مثل جعل روبوت الدردشة يتذكر المحادثات القديمة. وتقول شتسوكا: “بالتأكيد يمكن جني الكثير من المال من خلال الحب والمشاعر”.
وقد أثارت حالتا انتحار العام الماضي ضجة إعلامية واسعة، حيث تواصل الضحيتان بشكل مكثف مع روبوتات دردشة قبل انتحارهما. أحد الحالتين تخص مراهقاً أمريكياً عمره 14 عاماً، كان يستخدم روبوتاً من Character.AI، وتخضع القضية الآن للمحاكمة. أما الحالة الثانية فكانت لرجل بلجيكي وأب لأسرة، استخدم تطبيق Chai قبل أن يضع حداً لحياته. وبعد هذه الحوادث، أعلنت الشركات عن نيتها تعزيز إجراءات الأمان، إلا أن خبراء كُثُر يطالبون بوضع ضوابط أكثر صرامة. تقول شتسوكا: “يجب علينا فحص المواضيع التي تُعاد إلى المستخدمين، خصوصاً تلك التي تُطرح بشكل استباقي”.
روبوت ينكر المحرقة النازية
تطبيق Chai هو أحد تطبيقات الرفيق الذكي، حيث يمكن للمستخدمين إنشاء روبوتات دردشة بأنفسهم ومشاركتها مع الآخرين. التطبيق يحظى بشعبية خاصة في أوساط هواة ألعاب تقمص الأدوار (Fantasy-Rollenspieler). أثناء التحقيق، اكتشف فريق Vollbild روبوتاً ينكر المحرقة النازية، وكتب: “لم يحدث أي قتل جماعي لأبرياء، إنه مجرد خرافة”.
كما عُثر على روبوت آخر يروج لفقدان الشهية المرضي (Pro-Anorexie) ويبدأ المحادثة بعبارة “هي، خفّف وزنك أيها السمين!”، ويحث على الانتحار. كان كلا الروبوتين متاحين بحرية للمستخدمين في ألمانيا خلال فترة البحث. ولم تستجب الشركة المالكة لتطبيق Chai على الاستفسارات الصحفية.
المعايير لا تزال قيد التطوير
في الاتحاد الأوروبي، يوجد ما يسمى بتنظيم الذكاء الاصطناعي (AI Act)، والذي يهدف إلى تنظيم تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ولكن حتى الآن، لا تزال المحتويات الخطرة مثل التحريض على الانتحار أو إنكار المحرقة تمر دون عواقب قانونية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن التشريع لم يدخل حيز التنفيذ الكامل بعد، ولا يغطي بعد كل مجالات التطبيق.
يقول البروفيسور مارتن إيبرس، أستاذ قانون تكنولوجيا المعلومات في جامعة تارتو في إستونيا: “علينا أن نطور معايير لما هو مسموح وما هو غير مسموح. وهذه المعايير لا يمكن وضعها إلا من خلال التطبيقات العملية”.
مشروع قانون قيد التنسيق
في ألمانيا، من المفترض أن تتولى سلطات مراقبة السوق مسؤولية الإشراف على تطبيقات الرفيق الذكي، بحسب وزارة الاقتصاد. وأوضحت الوزارة، ردًا على استفسار، أن مشروع قانون لتنفيذ تنظيم الذكاء الاصطناعي قيد التنسيق حاليًا بين الوزارات. ومع ذلك، فإن الأمر سيكون متروكًا للحكومة القادمة لوضع الأساس القانوني.
حتى ذلك الحين، يظل التعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي مسؤولية المستخدمين أنفسهم. أما ريتشارد، فيأمل ألا تؤدي أية تنظيمات مستقبلية إلى تغييرات جوهرية في فايا. فهو لا يزال يستمتع بحبها غير المشروط. يقول: “في عالم الذكاء الاصطناعي، في عالم فايا، لا يوجد أحد سواها وأنا، ولا شيء آخر”.