Photo: Screenshot/tagesschau
24/02/2025

نتائج الانتخابات الاتحادية.. تحول سياسي وأزمة تشكيل الحكومة!

فاز الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CDU/CSU) في الانتخابات الاتحادية لعام 2025. لكن النتائج تعكس مشهداً سياسياً متغيراً مع صعود حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) وتراجع الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD). ما يضع المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس أمام تحدٍ معقد لتشكيل ائتلاف مستقر في ظل الانقسام السياسي الحاد.

الاتحاد يفوز لكنه يواجه معضلة الحكم!

حقق الحزب المسيحي الديمقراطي/ الحزب الاجتماعي المسيحي نسبة 28.52% من الأصوات، ليصبح القوة السياسية الأولى في البلاد. لكن المرشح لمنصب المستشار فريدريش ميرتس لم يتمكن من تحقيق الأغلبية المطلقة، ما يجعله بحاجة إلى تحالف قوي لضمان الاستقرار الحكومي. في خطابه ليلة الانتخابات شدد ميرتس قائلاً: “أدرك تماماً أن الطريق لن يكون سهلاً، لكن ألمانيا لا تستطيع تحمل شلل سياسي يمتد لفترة طويلة”.
ورغم تصدره المشهد السياسي، إلا أن الاتحاد لم يحقق اختراقاً انتخابياً. إذ أن هذه النتيجة تعد ثاني أسوأ أداء له في تاريخ الانتخابات الاتحادية، وهو ما يؤكد حالة عدم اليقين التي تسيطر على الناخب الألماني.

حزب البديل يحقق تقدماً تاريخياً!

جاء حزب البديل من أجل ألمانيا في المركز الثاني بنسبة 20.8%، ليصبح ثاني أقوى حزب في البلاد، متجاوزاً جميع التوقعات. في الولايات الشرقية، تمكن الحزب من التفوق على الحزب الديمقراطي المسيحي ليصبح القوة السياسية الأولى هناك. ووصفت المرشحة الأولى للحزب أليس فايدل النتيجة بأنها “تحول غير مسبوق”. مؤكدة: “لقد نجح حزب البديل في ترسيخ مكانته كقوة سياسية رئيسية في ألمانيا.” ورغم هذا النجاح، فإن جميع الأحزاب الرئيسية استبعدت التعاون مع الحزب بسبب مواقفه اليمينية. حيث صنف المكتب الاتحادي لحماية الدستور بعض أجنحته باعتبارها تميل إلى التطرف اليميني.

الحزب الاشتراكي الديمقراطي يتراجع إلى المركز الثالث

تعرض الحزب الاشتراكي الديمقراطي لهزيمة قاسية، حيث حصل على 16.41% فقط. وهي أسوأ نتيجة انتخابية في تاريخه. ما جعله يتراجع للمركز الثالث للمرة الأولى. ووصف المستشار الحالي أولاف شولتس النتائج بأنها “انتكاسة مريرة”، مضيفاً: “علينا الاعتراف بأن الحزب يحتاج إلى إعادة بناء داخلي شاملة لمواجهة التحديات المتزايدة”. أما زعيم الحزب لارس كلينجبيل فاعتبر أن الحزب “يواجه لحظة حاسمة ويجب أن يعيد بناء نفسه من الداخل”. وسط مخاوف من فقدان المزيد من شعبيته بالمستقبل القريب.

حزب الخضر يحافظ على تمثيله

رغم التراجع تمكن حزب الخضر من تجنب خسائر فادحة. حيث حصل على 11.61%، ما جعله يحتفظ بتمثيله في البرلمان، رغم التراجع مقارنة بانتخابات 2021. ووصف المرشح الأول للحزب روبرت هابيك النتيجة بأنها “مزيج من الإيجابيات والتحديات”، مؤكداً أن حزبه ما يزال قادراً على لعب دور محوري في تشكيل السياسات المستقبلية. ورغم استعداد حزب الخضر للدخول في مفاوضات تشكيل ائتلاف، إلا أن العلاقة المتوترة بينه وبين الحزب الديمقراطي المسيحي تجعل هذا السيناريو غير مرجح.

اليسار يحقق عودة قوية بعد توقعات بالخروج!

بعد أن كانت عتبة الـ 5% تعيق حزب اليسار من دخول برلمان، نجح الحزب هذه الانتخابات بتحقيق 8.77% من الأصوات، ما أعاده إلى المشهد السياسي في البلاد، بعد أداء قوي خلال الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية. المرشحة الأولى للحزب هايدي رايشينيك صرحت قائلة: “لقد ركزنا على القضايا الاجتماعية الأساسية، وهذا ما دفع الناخبين لمنحنا ثقتهم من جديد”.

الحزب الديمقراطي الحر يخرج من البرلمان

تعرض الحزب الديمقراطي الحر لخسارة فادحة، حيث حصل على 4.33% فقط، ما يعني خروجه من البرلمان للمرة الثانية في تاريخه. وأعلن زعيم الحزب كريستيان ليندنر استقالته واعتزاله السياسة، قائلاً: “لم يعد لحزبنا مكان في البوندستاغ، وعليّ تحمل المسؤولية”.

تحالف سارة فاجينكنيشت يفشل في دخول البرلمان

رغم التوقعات القوية بدخوله، إلا أن تحالف سارة فاجينكنيشت لم يتمكن من تجاوز عتبة الـ 5%، إذ حصل على 4.97% فقط، بفارق ضئيل عن الحد الأدنى المطلوب لدخول البرلمان. نائب رئيس المجموعة البرلمانية للتحالف كلاوس إيرنست اعتبر أن “النتيجة رغم كل شيء تعد نجاحاً بالنظر إلى حداثة الحزب”.

إقبال قياسي في ظل قانون انتخابي جديد

بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 83.5%، وهي أعلى نسبة منذ إعادة توحيد ألمانيا في 1990. ما يعكس الاهتمام المتزايد بالانتخابات في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المضطربة. وقد ساهم القانون الانتخابي الجديد بتقليص عدد مقاعد البرلمان إلى 630 مقعداً، ما أدى إلى استبعاد بعض الفائزين في الدوائر الانتخابية بسبب تغييرات آلية التوزيع.

تحديات تشكيل الحكومة والمستقبل السياسي!

رغم فوزه بالانتخابات، إلا أن المرشح لمنصب المستشار فريدريش ميرتس يواجه صعوبات حقيقية في تشكيل حكومة مستقرة. إذ لا يملك الاتحاد الديمقراطي المسيحي الأغلبية المطلقة لتشكيلها منفردًا. والتحالف مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي (ائتلاف كبير) – خيار صعب نظراً للهزيمة القاسية التي تعرض لها الحزب الاشتراكي. أما التحالف مع الخضر (ائتلاف جامايكا) – مستبعد بعد خروج الحزب الديمقراطي الحر من البرلمان. حكومة أقلية بدعم غير رسمي من الأحزاب الأخرى – سيناريو غير مستقر سياسياً.

ومع تصاعد الضغوط المحلية والدولية، تبدو الأيام القادمة بمثابة اختبار سياسي حاسم لألمانيا. فهل سينجح ميرتس في تشكيل حكومة قوية قادرة على إدارة الملفات الداخلية والخارجية المعقدة، أم أن البلاد ستدخل في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي؟

المرحلة القادمة ستكون حاسمة، والعالم يترقب مستقبل ألمانيا السياسي!