منذ وصولي إلى ألمانيا قبل عشر سنوات، لم تغب مواضيع الهجرة واللجوء عن النقاش العام والسياسي الألماني. وفي الحملات الانتخابية، غالباً ما تُركّز الأحزاب على قضايا الهجرة أكثر من القضايا الأخرى، على الرغم أن ألمانيا تعاني من مشاكل مختلفة تماماً وأكبر بكثير ــ مثل الرسوم الجمركية الوشيكة، والحرب في أوكرانيا، والأزمة الاقتصادية، وتهديد تغير المناخ. ورغم ذلك، يرى فريدريش ميرتس، المعروف بـ”ترامب ألمانيا”، أن الهجرة هي المشكلة الأكبر. وهذا ليس بالأمر الجديد داخل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. بعد أن فتحت ميركل الأبواب أمام الأشخاص الفارين من القمع والعنف والموت، أعلن وزير الداخلية آنذاك هورست زيهوفر (من الحزب الاجتماعي المسيحي) أن “الهجرة هي أم كل المشاكل”.!
المهاجرون ليسوا مشكلة بل فرصة
وبصراحة، لا أفهم لماذا يُصرّ بعض الساسة الألمان في خطابهم على اعتبار الهجرة مشكلة، ويفكرون باستمرار في كيفية تشديد سياسة اللجوء، وترحيل المزيد من الناس وتكثيف الرقابة على الحدود. وسأكون من الشاكرين إذا ما نظرت الأحزاب إلى المهاجرين واللاجئين باعتبارهم فرصة في برامجها الانتخابية. وبدلاً من الحديث عن الترحيل والسيطرة والتضييق، يتعين عليهم تطوير برامج فعالة لدمج اللاجئين في المجتمع الألماني.
وينبغي دراسة الأسباب التي تمنع بعضهم من الاندماج في سوق العمل، وتسهيل حصولهم على الوظائف والتدريب المهني والتعليم. فالخبراء يؤكدون منذ فترة طويلة أن المهاجرين يشكلون فرصة لألمانيا. ــ خاصة في ضوء التغير الديموغرافي، والعدد المتزايد من المتقاعدين، والنقص الهائل في العمال المهرة، وهو ما عوضه المهاجرون بالفعل إلى حد كبير، وفقا للإحصاءات. فبحسب إحصائيات معهد أبحاث الوظائف IAB، وهو تابع للوكالة الاتحادية للتوظيف فإن أقل بقليل من نصف السوريين (على سبيل المثال) الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً يعملون في ألمانيا. ومعدل توظيف السوريين في سوق العمل الألمانية يصل إلى 42%.
شكراً للمجتمع المدني
لقد تفوق المجتمع المدني الآن على السياسيين. وخرج مئات الآلاف من الأشخاص إلى الشوارع في نهاية الأسبوع الماضي؛ للاحتجاج على حصول ميرتس وحزبه على الأغلبية في البوندستاغ بمساعدة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف. وأثبتوا أنهم يدركون أهمية التنوع الاجتماعي. وهذا خير دليل على أن الشعب والمجتمع المدني هما أقوى حصن للديمقراطية. وهذه ليست المرة الأولى. فعندما تم الكشف عن الخطة السرية للمتطرفين اليمينيين في اجتماع بوتسدام العام الماضي، نزل الناس إلى الشوارع بأعداد كبيرة. وأعلنوا: “نحن أكثر، وليس للفاشيين والمتطرفين اليمينيين مكان بيننا”.
وأخيراً، أود أن أشكر جميع الذين شاركوا في المظاهرات الكبيرة في نهاية الأسبوع الماضي. فقد عبّروا عن آرائهم في الشوارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. مما منحنا الأمل المتجدد بأننا ما زلنا جزءاً من هذا المجتمع. كما يجب النظر إلى الجرائم التي يرتكبها المهاجرون مثل الهجمات في سولينغن، وماغديبورغ، وأشافنبورغ، ومانهايم، على حقيقتها: كجرائم جنائية. ويجب محاسبة الجناة كأفراد، دون تحميل المسؤولية لمجموعة سكانية بأكملها.
المقال منشور باللغة الألمانية على موقع evangelisch.de