كان من المفترض أن نصل إلى مركز دياكوني بمدينة فيلينجن شفينينجن عند الساعة الثانية والنصف عصر يوم الاثنين، لكننا وصلنا بعد نحو ساعتين من هذا الموعد! لقد خدعنا جوجل ماب، بدا الطريق أطول مما اعتقدنا عندما انطلقنا من محطة شتوتغارت المركزية! مررنا بالكثير من البلدات والقرى، وما يعنيه ذلك من سرعات محدودة للسيارة.
في انتظارنا وجدنا مدير المركز راينهولد فاينمان، و د. نوربرت نولتماير، ثم جاءت السيدة أندريا تيس. هنا حيث يقدمون المشورة والعون للاجئين، ويساعدونهم في فهم البيروقراطية الألمانية وأمور كثيرة أخرى. ثم جاء راينهولد هاميل، المؤسس والمدير السابق للمركز.
عائلة كبيرة
لاحقًا بقيل جاءت السيدة منار الحموي، والتي تأتي إلى المركز بشكل تطوعي كل يوم اثنين، لتقوم بالترجمة من العربية إلى الألمانية وبالعكس، لمساعدة القادمين الجدد من زوار المركز الناطقين باللغة العربية. وصلت الحموي إلى فيلينجن شفينينجن قبل نحو 7 سنوات، وهي متزوجة وأم لثلاثة أبناء. حدثتنا عن البدايات وكيف التقت بالسيدة لوسي لاشينماير، التي انضمت أيضَا إلى اللقاء، فبدا وكأننا بضيافة إحدى العائلات في هذه المدينة الهادئة.
استذكرت الحموي وطنها سوريا خلال الحديث، وباغتتها الدموع وهي تقول “لا شيء يشبه وطن الإنسان إلا وطنه”. لكنها استدركت: “لكننا نشعر هنا أننا بين أهلنا وناسنا، وأنا كسيدة محجبة لم أتعرض يومًا طوال السنوات الماضية للمضايقة أو الازعاج بسبب حجابي، وكذلك ابنتي. الكل يحبون المساعدة ومستعدون لتقديمها”.
صداقة عابرة للثقافة
بدأت صداقة منار ولوسي قبل عدة سنوات، عندما زارتها لوسي مع سيدة أخرى من مركز دياكوني في منزلها لتساعدها باللغة الألمانية والتعرف أكثر على ثقافة البلاد. ومنذ ذلك اليوم أصبحت لوسي وزوجها جزءً من عائلة منار. تقول الحموي: “بفضل لوسي تعرفت بسرعة على نظام الحياة هنا في ألمانيا، وعلى عادات الألمان، فهناك فرق كبير بين ثقافتنا وثقافتهم، وكانت لوسي تنبهني إلى العديد من الأمور، وأنا قلت لها إذا رأيتِ مني تصرف خطأ أو غير لائق بمفهوم الألمان أخبريني، لكن الحمد لله لم يكن هناك الكثير من الأخطاء، فأنا كنت أراقب كيف تسير الأمور بشكل عام، وأسير وفق ذلك”.
استمرت الحموي بتعلم اللغة الألمانية حتى حصلت على مستوى C1 وبدأت بعد ذلك بالبحث عن تدريب مهني يناسبها، لكن جائحة كورونا وقتها أغلقت كل شيء، وتوقفت العديد من المشاريع التي سعت لتحقيقها. في العام التالي التحقت الحموي بدروة تعليمية لمرافقة كبار السن، وعملت عقب ذلك عدة أشهر، ثم دخلت مرحلة الأمومة. تُضيف: “عندما أصبح طفلي بعمر السنتين ووجدت روضة له، بدأت مجددًا بالبحث عن عمل”.
رد الجميل
طول هذه الفترة، بقيت منار ولوسي على اتصال، وكن تلتقين بشكل دوري ومتواصل، “ذهبنا معًا إلى الشلالات وحضرنا حفلات جاز، وكنا نخرج إلى المطعم الصيني لتناول الطعام معًا، أنا وعائلتي، وهي وزوجها”. وقالت الحموي: “أولادي يحبون لوسي وزوجها، ويعتبرونهما بمثابة جد وجدة”. وختمت الحموي بالقول وهي تضحك: “علمتني لوسي استخدام الأجندة، أنا أستخدمها دائمًا لتدوين المواعيد والتأكد من أوقات الفراغ”. تحب لوسي المأكولات السورية، وتحديدًا ورق العنب، لذلك تدعوها منار لتناول الطعام معًا كلما طبخت “يبرق”.
شعرت الحموي بالحاجة إلى رد الجميل، لذلك قررت التطوع في مركز دياكوني فيلينجن شفينينجن للمساعدة بالترجمة، فالمركز الذي انطلق قبل نحو 10 سنوات، يقدم المشورة والعون للقادمين الجدد ويساعدهم بتعبئة طلبات مركز العمل، والبحث عن شقق ومراكز رعاية للصغار، إضافة إلى دورات اللغة الألمانية ونشطات اجتماعية أخرى تساهم في دمجهم بالمجتمع المحلي، وتعزز مشاركتهم بالحياة في هذه المدينة الصغيرة.
كان الحديث ممتعًا وشيقًا جدًا، وللحظات شعرت وكأنه مباراة لكرة القدم، كل واحد منهم يمرر الكرة للآخر ليتابع الفكرة، ويسدد في مسامعي! جميعهم يصفون السيد هاميل على أنه الأب الروحي لمركز المشورة هذا رغم أنه تقاعد منذ سنوات..