التقاعد عند 63 سنة أي “التقاعد المبكر”، الذي أُقر قبل أحد عشر عامًا في ألمانيا، كان ينظر إليه كإصلاح اجتماعي يهدف لمساعدة العمال في المهن المرهقة جسديًا ونفسيًا. هذه الفكرة التي قادتها وزيرة العمل السابقة أندريا ناليس، استندت إلى قصص مثل والدها الذي تقاعد مبكرًا بسبب مشكلات صحية ناتجة عن عمله كبنّاء. أهداف البرنامج كانت نبيلة: السماح للعاملين بالمهن الشاقة مثل التمريض والبناء والبستنة التقاعد قبل بلوغهم سن التقاعد القانوني دون تحمل خصومات مالية. وذلك حسب ما جاء في مجلة شبيغل. ومع ذلك، تظهر دراسة جديدة أن التطبيق العملي للقانون يخدم مجموعة مختلفة تمامًا.
التقاعد المبكر.. من المستفيد الحقيقي؟
وفقًا لدراسة صادرة عن المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية (DIW)، فإن نسبة كبيرة من المستفيدين من التقاعد المبكر ليست الفئات التي تواجه ضغطًا كبيرًا في العمل. الدراسة استندت إلى بيانات حوالي 8000 رجل من مواليد عام 1957، وأظهرت أن 30.6% فقط من المتقاعدين المبكرين كانوا يعملون بمهن ذات عبء وظيفي كبير. في المقابل، حوالي 40% كانوا يعملون بوظائف ذات عبء وظيفي خفيف إلى متوسط. هذا التفاوت يعزى إلى شرط رئيسي في القانون: يجب أن يكون للمتقدمين 45 عامًا من التأمين التقاعدي. هذا الشرط بالنسبة لللعاملين في المهن المرهقة، والذين قد يضطرون للتوقف عن العمل بسبب ظروف صحية، يصعب عليهم الاستفادة من التقاعد المبكر.
كيفية تقييم العبء الوظيفي؟
قيس العبء الوظيفي في الدراسة بناءً على مؤشرات تجمع بين العوامل الجسدية والنفسية. وكانت النتيجة واضحة: العمال أصحاب المسيرة المهنية الأقصر (10-30 سنة) كانوا أكثر عرضة للعمل بوظائف مرهقة مقارنةً بمن أكملوا 45 عامًا من التأمين. النساء لم يُدرجن في التحليل بسبب غياب بيانات عن فترات تربية الأطفال التي تُحسب في السنوات التأمينية.
دعوات لتغيير المعايير
يرى الخبراء أن معيار مدة العمل ليس كافيًا لتحديد أهلية التقاعد المبكر. يقول الخبير الاقتصادي هيرمان بوسلاي من DIW: “مدة المسيرة المهنية مؤشر غير كافٍ لقياس العبء الوظيفي”. واقترح الباحثون استلهام نموذج “معاش العمل الشاق” من النمسا، الذي يأخذ في الاعتبار كلًّا من مدة الوظيفة ومستوى العبء الوظيفي. لكنهم أكدوا ضرورة أن تشمل المعايير أيضًا الضغوط النفسية، إلى جانب الجسدية، لمواكبة طبيعة العمل الحديثة.
إصلاح بنظرة شاملة
كشفت الدراسة عن فجوة بين أهداف قانون التقاعد المبكر ونتائجه الفعلية. ولتصحيح هذا التفاوت، قد يكون الحل في تطوير آليات أكثر شمولًا لتقييم القدرة الصحية للعمال وتحديد المستحقين. الإصلاح يجب أن يضمن عدالة التوزيع ويخدم من يحتاج حقًا للتقاعد المبكر بسبب ظروف عمله الشاقة.