زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برلين في ربيع العام الماضي، حينها أحيا ذكرى ترحيل وإبادة اليهود في عهد النازيين، وكان إلى جانبه المستشار أولاف شولتز ورئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، جوزيف شوستر، في برلين – غرونيوالد. وقام نتنياهو بوضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري “Gleis 17″الذي يخلد ذكرى ترحيل اليهود الألمان إلى معسكرات الإبادة.
برلين والالتزام بقرارات الجنائية الدولية
اليوم، بعد حوالي عام ونصف، ربما تكون مثل هذه الزيارة إلى برلين خطيرة بالنسبة لنتنياهو. إذ أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق أقوى رجل في إسرائيل. وإذا جاء إلى ألمانيا، فسيتعين على نتنياهو أن يتوقع اعتقاله في المطار ونقله إلى لاهاي في هولندا، حيث يقع مقر المحكمة. ألمانيا هي واحدة من 124 دولة انضمت إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ السوابق القضائية الخاصة بها ملزمة لبرلين.
برلين في مأزق!
مذكرة الاعتقال ليست ضد نتنياهو فقط. فمن بين المطلوبين أيضاً وزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، وعدد من قادة حماس؛ الذين قتل بعضهم منذ ذلك الحين في هجمات إسرائيلية.
ولذلك، يُشتبه في أن نتنياهو وغالانت ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، ردًا على هجوم حماس في الـ 7 من أكتوبر 2023. وفي شهر مايو/أيار الماضي، تقدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، المحامي البريطاني كريم خان، بطلب لإصدار أوامر اعتقال ضد اثنين من كبار السياسيين الإسرائيليين وثلاثة من قادة حماس. فهل ستقوم ألمانيا بالفعل باعتقال وتسليم رئيس الحكومة الإسرائيلية؟
موقف الخارجية والحكومة الاتحادية!
ولم يكن لدى وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك إجابة واضحة عندما سئلت عن الموضوع صباح الجمعة الماضي. وأشارت السياسية المنتمية لحزب الخضر إلى استقلال القضاء في ألمانيا، وأن بلادها تلتزم بالقانون والنظام.
ووفقًا للمتحدث باسم الحكومة الاتحادية ستيفن هيبستريت، فقد أحيطت الحكومة الألمانية علمًا بمذكرة الاعتقال؛ ومسألة الاعتقال تطرح فقط عندما يأتي نتنياهو إلى ألمانيا. وقال المتحدث: “من الصعب بالنسبة لي أن أتخيل قيامنا بالاعتقالات على هذا الأساس”. وعندما سئل عما إذا كان نتنياهو مرحب به في ألمانيا، لم يجب هيبستريت. وبدلا من ذلك، أشار إلى أن المسائل القانونية تحتاج إلى توضيح فيما يتعلق بأمر الاعتقال.
وإلى جانب الولايات المتحدة، تعد ألمانيا واحدة من الحلفاء القلائل الذين بقوا مع إسرائيل. وقد حذرت بيربوك وشولتس الحكومة الإسرائيلية مراراً من ضرورة ضمان أن تكون حربها في غزة متناسبة. ودعيا إلى وقف إطلاق النار وانتقدا الهجمات التي يشنها المستوطنون اليهود المتطرفون على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. لكن مع ذلك وطوال هذا الوقت، وقفت برلين إلى جانب إسرائيل. ولم تترك مجالاً للشك في تضامنها مع الدولة اليهودية وبأن ألمانيا مضطرة للقيام بذلك بسبب تاريخها المروع ضد ملايين اليهود الألمان والأوروبيين خلال الحقبة النازية.
حدود التضامن!
إن رد الفعل الحذر للحكومة الاتحادية على مذكرة الاعتقال ضد نتنياهو يوضح أيضًا أن التضامن الألماني مع إسرائيل لا يعني تلقائيًا التضامن مع الحكومة الإسرائيلية. لكن ماذا لو أصبح الاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU جزءاً من الحكومة بعد الانتخابات الجديدة في 23 شباط. فهل سيكون تعامل برلين مع أمر المحكمة مختلفا؟
قرار الجنائية الدولية إشكالي!
قوبلت الأخبار الواردة من لاهاي بعدم الفهم داخل صفوف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي. وقال المتحدث باسم السياسة الخارجية للمجموعة البرلمانية للاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، يورغن هاردت، إن أوامر الاعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع السابق كانت “إشكالية على الأقل”. وشكك هاردت باختصاص المحكمة الجنائية الدولية في هذا الشأن. لكن ما يزعجه بشكل خاص هو “المعادلة الواضحة بين حكومة إسرائيل المنتخبة ديمقراطيا وحركة حماس الإرهابية بشكل علني – على الأقل على خلفية المصير الذي ما يزال مجهولا لعدد من الرهائن الإسرائيليين”، كما قال هاردت لموقع شبيغل.
عجز ألمانيا بحجز مقعد قضاة بالجنائية الدولية!
وحمّل سياسي حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحكومة الاتحادية المسؤولية جزئيًا عما يعتبره مذكرة الاعتقال الإشكالية. إذ فشلت هذه الحكومة في شغل منصب القاضي بالمحكمة الجنائية الدولية. وكانت وزيرة الخارجية بيربوك رشحت مواطنها أوتي هوهوف، القاضي بمحكمة العدل الاتحادية، لهذا المنصب الذي كان شاغرًا في الجنائية الدولية. وفي ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، فشل هوهوف بالجولة السابعة من التصويت ولم يحضر إلى المحكمة.
ويتهم هاردت الوزيرة بيربوك بالمراهنة على المرشح الخطأ: “لأسباب أيديولوجية” على حد قوله. وضأف: “لقد كان ذلك خطأ فادح من جانب وزيرة الخارجية بيربوك. ما أضعف ألمانيا وإسرائيل وبنهاية المطاف لجنة قضاة المحكمة الجنائية الدولية”.
لن نعتقل رئيس وزراء منتخب ديمقراطيًا!
إذن، كيف سيتعامل الاتحاد المسيحي بشقيه، إذا وصل إلى الحكم قريباً، مع نتنياهو في حال أراد هذا الأخير الحضور إلى برلين؟. بالنسبة للسياسي هاردت، هناك شيء واحد مؤكد: “نحن في الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي. سيكون من غير المتصور أن نعتقل رئيس وزراء منتخب ديمقراطيا لدولة إسرائيل على الأراضي الألمانية”.