ألمانيا، كدولة متعددة الثقافات، تواجه تحديات مختلفة فيما يخص التمييز، خاصة تجاه المهاجرين وأصحاب الخلفيات المتنوعة. ورغم وجود قوانين تكافؤ الفرص والعدالة، مثل قانون المعاملة المتساوية (AGG). إلا أن التمييز ما يزال موجوداً في مجالات متعددة، مثل سوق العمل والتعليم والصحة والإسكان. وقد تم تشريع قانون المعاملة المتساوية (AGG) بهدف حماية الأفراد من التمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو الإعاقة أو السن في مجالات العمل والإسكان والخدمات. يوفر القانون وسائل للمحافظة على الحقوق الفردية ومواجهة أي انتهاكات، إلا أن التطبيق الفعلي يظل تحديًا. وتعتبر المشاركة في سوق العمل من أهم وسائل الاندماج في المجتمع الألماني، إلا أن المهاجرين، خاصة من دول غير أوروبية، يواجهون تحديات كبيرة تعوق تقدمهم المهني وزيادة فرصهم الاقتصادية!
حجم العمالة المهاجرة في ألمانيا والفقر بين المهاجرين
وفقاً لإحصائيات عام 2024، يشارك الكثير من المهاجرين في سوق العمل الألماني. إذ يعمل العديد من مواطني دول الاتحاد الأوروبي وغير الأوروبيين بمختلف القطاعات. وفي الوقت الذي تتزايد فيه نسبة العمالة بين المهاجرين من خلفيات متعددة، إلا أنهم ما يزالون يواجهون معدلات بطالة أعلى، خاصةً بين اللاجئين والمهاجرين من دول خارج الاتحاد الأوروبي. تشير البيانات إلى أن المهاجرين في ألمانيا معرضون لمخاطر الفقر بنسبة مضاعفة مقارنة بالألمان. عام 2023، بلغت نسبة الفقر بين المهاجرين 22.3%، مقابل 11.1% بين غير المهاجرين. وحتى مع الحصول على وظائف، يبقى خطر الفقر مرتفعاً؛ إذ يعاني 13.7% من العاملين من ذوي الخلفيات المهاجرة من الفقر مقارنةً بـ 6.5% فقط بين غير المهاجرين.
التحديات التعليمية والوظيفية وتأثير التمييز على الوضع الاقتصادي
تشمل التحديات الاقتصادية التي تواجه المهاجرين ضعف الاعتراف بالمؤهلات الأجنبية. ما يقلل من فرصهم بالحصول على وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم. كما أن الفقر قد لا يرتبط بالضرورة بالمستوى التعليمي؛ إذ يعاني البعض من ذوي الشهادات العليا من الفقر، ما يشير إلى أن التعليم وحده قد لا يكون كافياً لتجنب الفقر. يعكس هذا أهمية معالجة القضايا الأوسع المتعلقة بالتمييز وتوفير الدعم اللغوي والمجتمعي.
كما تشير الإحصاءات إلى أن الأفراد من أصول مهاجرة يواجهون تحديات كبيرة في سوق العمل الألماني. فقد بلغ عدد الاستشارات المقدمة بشأن التمييز بالعمل لعام 2023 حوالي 2,646 حالة، منها 30% كانت بسبب التمييز العرقي، و7% بسبب الدين. ووفقاً لدراسة مؤسسة “بيرتلسمان” لعام 2022، أفاد 70% من الأفراد ذوي الأصول التركية والمسلمين بأنهم يجدون صعوبة أكبر بالحصول على وظائف مقارنةً بغيرهم. كما تؤكد الدراسات أن النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب يواجهن صعوبات مضاعفة. وتشعر نصفهن بأن فرصهن بالحصول على عمل أقل بسبب التمييز الديني.
التمييز في التعليم والذكاء الاصطناعي وتأثيره على الصحة
يمثل التعليم قطاعاً آخر تتضح فيه ممارسات التمييز. إذ تتعرض بعض الفئات للتمييز في المؤسسات التعليمية بسبب خلفياتها الثقافية أو الاجتماعية. هذا التمييز قد يعرقل مسيرة الطلاب ويحد من فرصهم في الاندماج وتحقيق التميز الأكاديمي. ومع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، هناك قلق من أن الخوارزميات قد تعزز التمييز دون قصد. قد تؤدي الأنظمة التكنولوجية إلى تعزيز التحيزات القائمة، ما يزيد من حدة التمييز في بعض الأحيان. وقد أثبتت الدراسات أن التمييز يترك أثرًا نفسيًا وجسديًا على الأفراد. وتظهر الأبحاث أن الأفراد الذين يتعرضون للتمييز المستمر يعانون من مستويات أعلى من التوتر والقلق. ما يؤثر بدوره على صحتهم النفسية والجسدية ويقلل من فرص تحقيقهم للرفاه.
جهود مكافحة التمييز
يظل تحدي الفقر بين المهاجرين في ألمانيا قضية مهمة تستدعي المزيد من السياسات الشاملة. تحسين الاعتراف بالمؤهلات الأجنبية، وتوفير فرص عمل ملائمة، وتعزيز المساواة في سوق العمل هي خطوات أساسية لتعزيز اندماجهم الاقتصادي والاجتماعي. الجدير بالذكر أن المؤسسات المناهضة للتمييز في ألمانيا، مثل مكتب مكافحة التمييز الفيدرالي (ADS)، تلعب دورًا هامًا بمواجهة هذه التحديات من خلال تقديم استشارات قانونية ودعم للمتضررين. ولكن هناك حاجة لتعزيز الجهود والوعي لتحقيق مجتمع أكثر عدلاً وشمولية.