Photo: Amal Berlin/Khalif Al Aboud
08/11/2024

حقائق نسيها الألمان عن سقوط جدار برلين واحتفال بالذكرى 35 لانهياره

سقوط جدار برلين في 9 نوفمبر 1989: ذلك الحدث الذي انطلق خلال مؤتمر صحفي غريب مع المسؤول الشيوعي غونتر شابوفسكي، الذي ألقى بالخبر المفاجئ في اللحظات الأخيرة من حديثه. جملة “ألمانيا الشرقية تفتح حدودها” انتشرت كالنار في الهشيم حول العالم. وسرعان ما بدأت قوافل سيارات “ترابانت” تتدفق من الشرق إلى الغرب، وتعانق الناس فرحاً، وتسلقوا الجدار ورقصوا أمام بوابة براندنبورغ. كل من عايش ذلك الحدث لا يزال يشاهد تلك الصور منذ 35 عاماً بشعورٍ من الرهبة.

لكن هناك بعض الحقائق التي طواها النسيان على مدى هذه السنوات، أو لم يسلط الضوء عليها منذ البداية. لم يكن شهر نوفمبر 1989 مجرد حالة استثنائية لألمانيا الشرقية، حيث تظاهر عشرات الآلاف يومياً وغادر الآلاف البلاد، بل وُضعت ألمانيا الغربية أيضاً تحت ضغط كبير جراء هذه الأحداث. إليكم بعض الحقائق التي تستحق التأمل.

موجة اللاجئين وضعت ألمانيا الغربية تحت الضغط

بدأ يوم 9 تشرين الثاني/ نوفمبر في الغرب بمطالب لوقف استقبال الوافدين من ألمانيا الشرقية، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 200,000 شخص قد غادروا ألمانيا الشرقية باتجاه ألمانيا الغربية خلال عام 1989. وذكر رئيس بلدية هانوفر، هربرت شمالشتيغ، أن سوقي العمل والسكن قد استُنزفا تماماً، كما أعرب رئيس وزراء ولاية سارلاند، أوسكار لافونتين، عن قلقه من التدفق الكبير للوافدين.

في الوقت ذاته، تعاني ألمانيا الشرقية من نقص في الكوادر البشرية، مما اضطر وزارة أمن الدولة إلى الإعلان عن إرسال 385 موظفاً من موظفيها إلى العمل في الإنتاج، ومنهم سائقون وفنيون و21 طبيباً. أما من الهند، فقد اقترح زعيم طائفة بهاجوان شري راجنيش حلاً غريبًا، حيث دعا إلى تأسيس مجتمع دولي من أتباعه في الأراضي الفارغة بألمانيا الشرقية، ليخلقوا هناك “جنتهم الخاصة”.

ألمانيا الشرقية تتلقى التهديدات من جارتها

مع ازدياد عدد المواطنين الذين يغادرون ألمانيا الشرقية عبر تشيكوسلوفاكيا، هددت براغ بإغلاق الحدود بين البلدين. كان الكولونيل غيرهارد لاوتر، رئيس قسم الجوازات والتسجيلات، مكلفاً بوضع قواعد جديدة لتقييد هذا المسار. فتم اتخاذ قرار يسمح للراغبين في مغادرة ألمانيا الشرقية بتقديم طلبات خروج مباشرة. ومن هنا، ظهر الاقتراح الذي منح الناس الحق في القيام برحلات خاصة إلى الغرب.

مؤتمر شابوفسكي الصحفي: قرار فتح الحدود كان مبهماً

وصلت هذه التعديلات، التي أقرها المكتب السياسي ومجلس الوزراء، إلى غونتر شابوفسكي قبل مؤتمره الصحفي بقليل. تحدث شابوفسكي عن أمور أخرى لأكثر من ساعة قبل أن يعلن الخبر عند سؤاله، وأضاف بأن القرار يسري “فوراً”. سرعان ما تناقلت وسائل الإعلام الخبر، وأصبح حديث الساعة في التلفزيون الغربي. في الساعة 21:01، وقف نواب البرلمان في بون وغنوا النشيد الوطني “الوحدة والحق والحرية”.

قرار من الرائد ياغر بفتح الحدود

لكن الحدود لم تكن مفتوحة فعلياً. عند نقطة التفتيش في شارع بورنهولمر ببرلين، ظل الرائد هارالد ياغر لساعات في انتظار التعليمات من رؤسائه بعد مؤتمر شابوفسكي، بينما تجمع الآلاف مطالبين بفتح البوابة. وأخيرًا، في الساعة 23:30، قرر ياغر السماح للجموع بالعبور.

أنجيلا ميركل في الساونا، وسارا فاغنكنيشت تقرأ

في تلك الليلة، كانت أنجيلا ميركل، التي كانت تبلغ من العمر 35 عاماً آنذاك، في الساونا كعادتها مساء كل خميس، ثم عبرت مع الجموع فوق جسر بورنهولمر واحتست أول بيرة غربية لها. أما سارا فاغنكنيشت، التي كانت في العشرين من عمرها وعضواً في الحزب الشيوعي، فقد قضت تلك الليلة في قراءة كتاب “نقد العقل المحض” لكانط، ولم تزر برلين الغربية إلا بعد عام عندما احتاجت إلى كتاب من مكتبة هناك.

جهود كثيفة لفرق الإنقاذ

نظراً لتدفق السيارات من طراز “ترابانت” و”فارتبورغ” من الشرق، كانت فرق الإنقاذ في حالة تأهب دائم على طول الحدود، حيث تسببت الأحمال الزائدة والأعطال المتكررة في العديد من المشاكل، مما استدعى تدخل فرق الإنقاذ بشكل مستمر.

تكاليف باهظة لإعانة الترحيب

منذ عام 1970، كانت ألمانيا الغربية تقدم إعانة ترحيب بقيمة 100 مارك لكل زائر من ألمانيا الشرقية، وهي بادرة رمزية لم يكن يستفيد منها سوى عدد قليل من الأشخاص. ولكن بعد سقوط الجدار، ارتفع عدد المستفيدين إلى ثلاثة ملايين شخص، ما كلف الحكومة قرابة ملياري مارك. ونتيجة لذلك، تم إلغاء الإعانة في نهاية ديسمبر من نفس العام.

انهيار الجدار تدريجياً

بدأ هدم الجدار، الذي كان طوله 155 كيلومترًا وبُني في 13 أغسطس 1961، بشكل منهجي بين يونيو ونوفمبر 1990، مع بقاء أجزاء قليلة منه في برلين، خاصةً في منطقة “إيست سايد غاليري”، حيث لا تزال الأعمال الفنية تزين بعض أجزائه حتى اليوم.

ارفعوا راية الحرية

في السياق ذاته ستحتفل برلين بالذكرى الـ35 لسقوط جدار برلين. وستُنظم الكثير من الفعاليات المهمة. ففي وسط برلين (von Invalidenstraße bis Axel-Springer-Straße)، ستُعرض اعتباراً من الجمعة 08.11 أعمال فنية في الهواء الطلق بطول أربعة كيلومترات، تتضمن أكثر من 5000 ملصق من تصميم سكان برلين. وعلى طول معرض الملصقات، سيوزّع كتاب مجاني حول ذكرى سقوط الجدار (عدد النسخ 100 ألف ). يتضمن الكتاب صور للملصقات وغيرها من النصوص. وأمام بوابة براندنبورغ التاريخية في برلين، سيجتمع 700 موسيقي، من الهواة والمحترفين من جميع أنحاء أوروبا، مساء السبت الساعة 8.00 مساءً ليقدموا عرضاَ باعتبارها أكبر فرقة روك في برلين، حيث سيؤدون أغان شهيرة مثل Heroes” و”Freiheit” ضمن حفل “كونسرت من أجل الحرية”. ويختتم الحفل بعرض للألعاب النارية في تمام الساعة 9:00 مساءً.

“ميني ستوريز” سلسلة وثائقية عن سقوط الجدار

وكنا في أمل برلين قد أعددنا في الذكرى الـ30 لسقوط الجدار، سلسلة وثائقية قصيرة تحت اسم Mini Stories، عن الفترة التي عاصر فيها أندرياس لورانس جدار برلين ويقص ذكرياته المتعلقة بتلك الفترة على خالد العبود. يمكنكم من خلال الروابط التالية الاطلاع عليها بالترتيب:

الحلقة الأولى: Bernauerstraße

الحلقة الثانية: قصر الدموع

الحلقة الثالثة: نقطة تفتيش تشارلي

الحلقة الرابعة مركز اللاجئين من ألمانيا الشرقية

الحلقة الأخيرة ذكريات سقوط الجدار

مصدر المقالة وكالة الأنباء الألمانية dpa وصحيفة BZ