أقر البوندستاغ يوم الأربعاء الماضي قراراً مثيراً للجدل إلى حد كبير لمكافحة معاداة السامية ويمنع انتقاد إسرائيل. حيث وافقت عليه أغلبية ساحقة من المشرعين من مختلف الأحزاب في البوندستاغ. على الرغم من المعارضة الشديدة لأجزاء من القرار من قبل الخبراء القانونيين وجماعات المجتمع المدني والمثقفين اليهود البارزين. القرار يحمل عنوان “لن يحدث مرة أخرى الآن” ويطال منتقدي إسرائيل أو الداعين لمقاطعتها أو عدم الاعتراف بها. ويحذر منتقدو القرار من أنه سيضع قيوداً على حرية التعبير الفنية والأكاديمية. القرار المشترك بين الأحزاب هو نتيجة مفاوضات مغلقة استمرت شهوراً بين حكومة الائتلاف الحاكمة وأحزاب المعارضة.
ما هي تفاصيل القرار ؟
يدعو نص القرار إلى حظر التمويل العام للمنظمات أو المشروعات التي “تنشر معاداة السامية أو تشكك في حق إسرائيل في الوجود أو تدعو إلى مقاطعة إسرائيل. كذلك أي شخص أو مجموعة تدعم بنشاط حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)”. وقد يعني ذلك الاستبعاد أو حتى الطرد من المدارس والجامعات لأي شخص يثبت مسؤوليته عن أعمال معادية للسامية. اقتُرح القرار للمرة الأولى بعد السابع من أكتوبر 2023 . وقد تركز الجدل حول القرار على نية جعل المنح العامة لمشاريع الثقافة والعلوم تعتمد على الالتزام بتعريف معاداة السامية وفقاً للتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA).
ويعد هذا التعريف مثيراً للجدل حيث يلقى انتقادات واسعة النطاق لخلطه بين انتقادات الحكومة الإسرائيلية ومعاداة السامية. يقول جوشوا شينز الأستاذ المساعد للدراسات اليهودية في كلية تشارلستون بولاية ساوث كارولينا. إن تعريف التحالف يهدف إلى أن يكون “شبكة كبيرة” لدعم البحث في معاداة السامية وأن قوى متحالفة مع إسرائيل قد اختطفته لمنع انتقاد وحماية الهيمنة اليهودية في إسرائيل.
انتقادات للقرار
في الصيف الماضي تسرّبت مسودة مشروع القرار وتعرضت لانتقادات شديدة بسبب محتواها. ووفقاً لمنظمة العفو الدولية هناك تجاهل لعروض الحوار مع السياسيين بشكل شبه كامل. ولم يكن نواب الأحزاب المعنية على علم بمضمون المحادثات بين رؤساء المجموعات البرلمانية. وفي بيان ينتقد هذا القرار قال 150 فنان ومفكر يهودي يعيشون في ألمانيا أنه سيضعف تنوع الحياة اليهودية في ألمانيا بدلاً من أن يقويها من خلال ربط جميع اليهود بأفعال الحكومة الإسرائيلية.
في رسالة مفتوحة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 حذرت العشرات من منظمات المجتمع المدني من الخلط بين معادات السامية وانتقاد سياسات الحكومة الإسرائيلية. وأشاروا إلى أن “وصف الانتقاد المشروع لسجل إسرائيل في مجال حقوق الإنسان بأنه معاد للسامية يقوض أيضاً مكافحة معاداة السامية الحقيقية”. وتنتقد منظمة العفو الدولية (Amnesty) في ألمانيا القرار باعتباره تجاهل انتقادات المثقفين اليهود ومنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والنداء الواسع من المجتمع المدني. وقبيل التصويت على القرار قالت المنظمة إنها ترحب بهدف تقديم تدابير لمكافحة السامية لكنها ترى أن القرار “لا يفشل في تحقيق هذا الهدف فحسب بل يثير مخاوف من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان الأساسية وعدم اليقين القانوني”.
كما ترى المنظمة أن مثل هذا القرار يعزز من الرقابة الذاتية والقلق لدى العديد من منظمات حقوق الإنسان والفنون والثقافة و الأوساط الأكاديمية. ويدعوهم للتردد من التحدث علناً عن انتهاكات حقوق الإنسان في الصراع في الشرق الأوسط. كذلك الخوف من التحدث علناً عن مواضيع معاداة السامية والعنصرية ضد المسلمين أو النزول إلى الشوارع للتظاهر.
عواقب القرار على قانون الجنسية والإقامة واللجوء
قالت النائبة أندريا ليندهولتس عن حزب CDU “إن أي شخص يأتي إلى بلدنا ويريد العيش هنا يجب أن يقبل تحمل مسؤولية اليهود وحق إسرائيل في الوجود دون أي شروط وإلا عليه مغادرة بلدنا”. بينما وصف السياسي يورغون براون عن حزب البديل من أجل ألمانيا AFD “ الهجرة الجماعية إلى ألمانيا بأنها المشكلة الأساسية التي تهدد الحياة اليهودية في ألمانيا”.
القرار غير قابل للتطبيق وفقاً لخبراء قانونيين
وفقاً لرالف مايكلز – مدير معهد ماكس بلانك للقانون الخاص المقارن والدولي في هامبورغ – فإنه من منظور قانوني يعتبر القرار خيبة أمل كبيرة. حيث تعرضت المسودات السابقة لانتقادات شديدة من جانب المحامين باعتبارها غير دستورية على الأغلب. وأضاف “أنه في ضوء هذه الانتقادات فمن المحير أن نرى النسخة النهائية من النص لم تتغير في الغالب”. يعد مايكلز واحد من العديد من الخبراء الذين قدموا اقتراحاً بديلاً للنسخة المسربة من القرار ونشروها في صحيفة FAZ نهاية أكتوبر الماضي. وكان شعارهم التوافق بدلاً من التسوية والتركيز على المسؤولية الشخصية بدلاً من القمع.
يقول مايكلز إن هناك مشكلة أخرى في القرار الحالي أنه يؤيد قراراً أصدره البوندستاغ عام 2019. والذي يصف حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) بأنها معادية للسامية. بالرغم من أن دائرة الأبحاث في البوندستاغ اعتبرت أن محتوى قرار 2019 مخالف للدستور كما رفضت عدة محاكم قرارات إدارية استناداً إلى تلك النتائج.