قد تبدو قصة نجاح أحدهم عادية جداً لو أننا في بلداننا الأم، وقد تمرّ مرور الكرام دون أن يذكرها أحد. لكننا لسنا في بلدنا ولا نتكلم لغتنا، وطريق أحلامنا لم يكن معبّداً دائماً. وأي قصة نجاح كلّفت صاحبها خوض غمار البحر ومخاطر البرّ أيضاً خلال رحلة اللجوء. وكثير منا فقد رغبته في تحقيق حلمه خلالها، لكنّ هند حاج أحمد لم تستسلم رغم ما مرّت به مع عائلتها، ومشوار الدكتوراه الذي بدأ في حلب في سبيله ليتحقق بهامبورغ.
مشوار بدأ في حلب
فهند القادمة من حلب منذ ثمان سنوات تقريباً، درست العلوم البيولوجية في حلب وحصلت على درجة الماجستير قبل أن تجبرها الظروف السيئة كغيرها على ترك ما بدأته واللجوء إلى تركيا ثمّ إلى أوروبا مع زوجها وطفليها. وخلال عملها على رسالة الماجستير تعرّفت بزوجها الذي كان يدرس معها، فتزوّجا وأنجبت طفلها الأول. “في 2011 أنهيت الماجستير وكنت أرغب بإتمام الدكتوراه مباشرة وبدأت بالإجراءات لكن الأوضاع ساءت في حلب. فالمدارس والجامعات توقفت ولم نعد نستطيع الخروج من بيوتنا. لم نكن نتوقع أن تستمر لأكثر من عشر سنوات. اضطررنا خلالها للنزوح أكثر من مرة. وكل ما حصل دفعني لتأجيل دراسة الدكتوراه على أمل أن أعود للدراسة مرة أخرى”.
رحلة اللجوء
وبسبب تفاقم الأوضاع السيئة في حلب قررت هند وعائلتها الذهاب إلى تركيا. حيث كانت تأمل أن تعود وزوجها للدراسة من جديد، وقدّما أوراقهما في جامعة غازي عينتاب لكنهما لم ينجحا. فاضطرا للعودة إلى حلب، وكافحا كغيرهما من الناس. لكنّ حادثة مؤلمة حصلت معهما أثرت بهما ودفعتهما للسفر مرة أخرى. وحينها قررا خوض رحلة اللجوء إلى أوروبا. “وكانت الرحلة مغامرة بوجود طفلين صغيرين، وكنا نرغب بالذهاب إلى السويد”. وبالفعل وصلت هند مع عائلتها إلى السويد. ومنذ وصولها بدأت بالعمل كمترجمة متطوعة لمساعدة الأطفال اللاجئين لأن لغتها الإنكليزية كانت جيدة. لكن بعد شهرين من وصولهما أمرت السلطات بعودتهما إلى ألمانيا بسبب قرار دبلن.
“شهر واحد مع الجوب سنتر”!
وفي ألمانيا وبانتظار الإقامة بدأت هند وزوجها تعلم اللغة الألمانية عن طريق اليوتيوب. “ثم سجلنا في Agentur für Arbeit وعدلنا شهاداتنا. والتحقنا بدورة اللغة الألمانية للمستوى A2عن طريق منظمة AWO. لكن خلال كورس اللغة جاءتنا دعوة من Agentur für Arbeit لمقابلة عمل في معهد Helmholtz-Zentrum Hereon الذي يقوم بأبحاث على البيئة والبحار وغيرها”. فوقعت عقد العمل مع زوجها كباحثين في المعهد، وبقيا فيه لمدة سنتين. أي أنهما لم يبقيا مع الجوب سنتر سوى شهر واحد وبدأا بالعمل قبل أن يأتي قرار الإقامة. وخلال هذه الفترة عرض عليها مديرها أن تكمل دراسة الدكتوراه في المعهد. “لكن بصراحة لم يكن لدي شغف في المجال لأنني منذ أيام الدراسة أحب مجال الجهاز العصبي وما له علاقة بالدماغ أو المناعة لذلك اعتذرت”.
البحث عن تدريب لتحسين سيرتها الذاتية
و”بدأت البحث عن فرص عمل أخرى تتضمن الدكتوراه دون فائدة. ولأن عقد العمل انتهى عدنا إلى Agentur für Arbeit. وفكرت في طريقة لتحسين سيرتي الذاتية ووجدت أن عليّ البحث عن Weiterbildung في هامبورغ لتعلم تكنيك الأبحاث الجديد المعروف بأنهTrend في هذا المجال”.
بحثت هند كثيراً وتنقّلت بين المراكز التي تعتمد على الأبحاث. لكنها، وبعد طول البحث، لم تجد سوى تدريباً لأسبوعين أو ثلاثة وربما شهر وهي كانت تبحث عن شيء حقيقي تتعلم منه طرقاً متنوعة في الأبحاث. وفي النهاية وجدت تدريباً في برلين لمدة ستة أشهر. ” ترددت في البداية لأنني سأضطر لترك أسرتي. فأقنعني زوجي وشجعني على الالتحاق بالتدريب ومتابعة طريقي لتحقيق حلمي. وساعدني كثيراً أنه اعتنى بالأولاد”.
مرحلة جديدة!
وبعد أن أنهت الـ Weiterbildung تعاونت الإدارة معها لإتمام تدريبها في هامبورغ لتكون قريبة من عائلتها. وكان التدريب في قسم الأبحاث التابع للمشفى الجامعي (UKE). ولأن التدريب خلال فترة كورونا، كان الدوام محدوداً. فأرادت أن تستثمر فترة التدريب التي لم تتجاوز الشهرين، بالعمل ضمن مجموعتين بحثيتين. وبالفعل بدأت العمل فيهما وكانت إحداها مجموعة في مجال أبحاث القلب. خلال تلك الفترة أعربت للمسؤولة عن تدريبها عن رغبتها في متابعة الدراسة في مجال الأعصاب. و”لأنها لاحظت مدى اهتمامي والجهد الكبير الذي أبذله، تحدّثت بنفسها مع رئيس المجموعة التابعة لقسم العصبية. الذي طلب مقابلتي فهو واحد من رؤساء الأطباء الاستشاريين في قسم العصبية بالمشفى. واقتنع بمدى رغبتي بأن تكون رسالة الدكتوراه في المجال العصبي”.
الانتظار لم يفقد هند شغفها
وليساندها في تحقيق حلمها ساعدها في كتابة طلب مشروع لتقدمه للـ DFG وبينما ننتظر الرد طلب منها الاطلاع على أبحاث المجموعة وحضور الاجتماع الأسبوعي. في هذه الأثناء انتهت السنة التي يسمح لها بها في Agentur für Arbeit وكان عليها أن تجد عملاً أو تسجل في الـ Job Center. و”لأننا لم نسجل سوى مدة شهر في الجوب سنتر لم أكن أرغب بالعودة إليه. ولذلك اخترت أن أعمل في مركز للقاح كورونا. ثم أتتني فرصة عمل في مخبر شركة أدوية. فوافقت وبدأت العمل مباشرة. وعرضوا عليّ تجديد عقد العمل مع وجود فرصة كبيرة للحصول على عقد دائم. لكنني كنت أنتظر رد مركز الأبحاث في مشفى UKE بفارغ الصبر”.
المشوار صعب لكنه ممتع
وبعد ستة أشهر من الانتظار جاء الرد بالموافقة على تمويل مشروع هند لمدة ثلاث سنوات. وكان فرحتها كبيرة خاصة وأن مجال البحث عن الجلطة الدماغية وعلى الالتهاب المناعي الذي يصيب الدماغ بعد الجلطة. أي كما تحلم تماماً. “شعرت أن تعبي لم يضع واستطعت الوصول رغم صعوبة الطريق”.
وهند التي تبلغ من العمر 40 عاماً والتي تؤمن بأن الرغبة في الوصول إلى هدفها يمنحها طاقة لاحتمال المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقها. فبين العمل على مشروعها وبين الاهتمام بعائلتها والمسافة الطويلة التي تفصلها عن عملها وتستهلك جزءاً كبيراً من وقتها لا تمتلك وقتاً كافياً للنوم. “حاولت ألا يؤثر ذلك على أولادي وهذا زاد من أعبائي خاصة وأن عملي لا ينتهي فعلي أن أتابع الأبحاث والمقالات بشكل دائم. ورغم الضغط الكبير إلا أنني أمتلك طاقة كبيرة وأتعامل مع هذه الضغوط بإيجابية”. لكنّ ما يجعل حلمها قابلاً للتحقيق هو دعم زوجها المتواصل. ورغم أنه يعمل في مجال يحبّه دواماً كاملاً إلا أنه يمنح العائلة ما تحتاجه من حبّ ووقت.