عن إحدى حالات اتفاقية دبلن الصعبة: السلطات الألمانية ترحّل شاباً يمنياً يبلغ من العمر 21 عاماً وتنقله جواً إلى رومانيا بعد صراع قانوني طويل على الرغم من حصوله على مكانين للتدريب (Ausbildung).
فوفقاً لصحيفة Hamburger Abendblatt يبدو الأمر غريباً، لأن السلطات الألمانية رحّلت الشاب (أحمد س) إلى بلدة تيميشوارا الرومانية الصغيرة، في حين سمحت لبقية أفراد عائلته بالبقاء في هامبورغ أو بينيبيرغ. بل وأمرت بترحيله رغم أنه وقّع عقدي تدريب في كلّ منTchibo وDougla، ولم تسمح له ببدء الدراسة. ووفقاً لمحامي العائلة كارلوس دريشر المتخصص في قانون الهجرة: “لقد أطبقت السلطات الخناق على أحمد بالكامل”.
منذ البداية!
في عام 2019، فرّ أحمد س، الذي كان يبلغ من العمر 16 عاماً آنذاك، من اليمن إلى ألمانيا مع والدته وأبيه وشقيقته نورهان البالغة من العمر عشر سنوات. وهذا لم يكن قرار أحمد أبداً. فالعائلة كانت تتمتع بمستوى معيشي جيد في وطنهم، ويتذكر أحمد باعتزاز طفولته في اليمن. ومع ذلك شعر الوالدان أنهما مجبران على مغادرة البلد الذي مزقته الحرب. ولأن والد أحمد كان يشغل منصباً رفيعاً في البحرية قبل تواجد الحوثيين. واختارت العائلة هامبورغ؛ لأن شقيق أحمد الأكبر كان يدرس الهندسة الكهربائية هنا بالفعل.
لكن عائلة “س” ارتكبت خطأً أثناء هروبها، وكانت له عواقب وخيمة كافية لترحيل أحمد في النهاية. حيث تقدموا بطلب اللجوء في رومانيا قبل دخول ألمانيا بسبب الظروف المادية.
منع ترحيل الأخت والأم
وأثناء رحلة الهروب انفصل والدا أحمد. وبعد التوقف في رومانيا انتقلت الأم مع أطفالها إلى بينبيرغ. وذهب أحمد وشقيقته نورهان إلى المدرسة هناك واستقرا في منزلهما الجديد. وبعد ما يقرب من أربع سنوات، في عام 2023، توجهت الشرطة بالسيارة إلى عائلة س. في بينيبيرغ وأخذت أحمد ونورهان ووالدتهما إلى سكن بوستدت الحكومي. وهذا يعني أن عليهم انتظار الترحيل أو المغادرة طوعاً.
وبفضل الجهود الحثيثة التي بذلها زملاء نورهان (14 عاماً) في الصف والمعلمون في مركز مدرسة بينيبيرغ الشمالي، بالإضافة إلى بعض الضجيج الإعلامي، حصلت على تصريح إقامة وسمح لها بالبقاء في بينيبيرغ. وبما أن الفتاة ما تزال قاصراً، فإن الأم أيضاً تحصل على إقامة متسامحة. أما أحمد الذي أصبح عمره 19 عاماً فظل ملزماً قانوناً بمغادرة البلاد. ولأن الأسرة تعيش في بينيبيرغ، فإن سلطات ولاية شليسفيغ هولشتاين هي المسؤولة عن هذه القضية.
صعوبة السكن الحكومي
ومن يناير/ كانون الثاني 2023 إلى يوليو/ تموز 2024 جلس أحمد بغرفة صغيرة في سكن بوستدت الحكومي أثناء انتظار ترحيله. هذه الوجهة التي يقيم فيها ما يصل إلى 2700 شخص، ومعظمهم ممن وصلوا للتو إلى ألمانيا وينتظرون الحصول على شقة. هي الوجهة النهائية لأحمد وغيره ممن ينتظرون الترحيل.
ووفقاً لصحيفة أبندبلات لا يُسمح لليمنيين بالعمل أو تلقي التدريب أو الالتحاق بالمدارس المسائية أو فتح حساب. هناك 148 يورو في مصروف الجيب شهرياً و”سماح محدود بالخروج”. حيث يجب على أي شخص يريد مغادرة السكن الحكومي أن يراجع حراس البوابة، وفي حال عدم عودته في الوقت المحدد يكون مطلوباً من قبل الشرطة عاجلاً أم آجلاً.
“إنهم ببساطة يدمرون مستقبلي”
خلال العام والنصف الذي قضاه أحمد في بوستدت، كان ضيفاً دائماً في مكتب الدولة للهجرة واللاجئين في مقر الإقامة. وجرب حظه مراراً وتكراراً مع الموظفين المتغيرين باستمرار. لإقناع السلطات بالسماح له بالتدريب في حال توقيع عقد مناسب. وبالفعل في غضون فترة قصيرة تمكن الشاب من تقديم عقد من تشيبو، وبعد وقت قصير أيضاً من دوغلاس. لكن أمله ذهب سدى فالسلطات قد اتخذت قرارها منذ فترة طويلة. وحتى محامي عائلة “س”، كارلوس دريشر، لم يعد قادراً على فعل أي شيء.
وما تزال دعوى التسامح مع التدريب معلقة ويقدّر المحامي وقت معالجتها بسنتين. “لقد بلغت العشرين للتو وأحاول بناء مستقبل لنفسي، وهم ببساطة يدمرون مستقبلي. لدي عقد تدريب، ولا أحتاج حتى إلى مساعدة اجتماعية. أريد فقط أن أكون شخصاً عادياً وأن أحصل على تعليمي”.
ترحيل أحمد
وبعد مرور عام لم يستطع أحمد تحمل الإقامة الحكومية. وفي كثير من الأحيان بقي مع والده أو والدته لفترة أطول مما يُسمح له بها. وبحثت عنه الشرطة عدة مرات لكنّه استطاع الاختباء. إلا أنه قرر مواجهة مكتب الدولة للهجرة واللاجئين في سكن ولاية بوستدت في يوليو 2024. وكان المسؤولون بانتظاره بالفعل. فقبضوا عليه ووضعوه في الحجز على ذمة الترحيل في غلوكشتات. وأقلعت الطائرة متوجهة إلى بوخارست في صباح اليوم التالي. واكتفى ضباط الشرطة بالقول: “لا تفعل شيئاً، سنكون لطفاء معك”. أما أحمد فكان لديه أمل لكنه اعترف بأنه فقده. وفي غضون فترة زمنية قصيرة، أصبح الصبي الخجول والمرح رجلاً وحيداً وحزيناً.. فمن يستطيع أن يلومه؟
لا يسمح للعائلة بزيارة بعضها البعض
العالم في رومانيا مختلف قليلاً عما هو عليه في ألمانيا. “في المطار، نظروا إلى قطعة الورق التي حصلت عليها من ألمانيا وقالوا: هذا هو مكان المخرج خذ وثائقك واخرج. ليس لدينا أي علاقة بك”. هو الآن يعيش مع عمه، الذي يقيم في بلدة تيميشوارا الصغيرة غرب رومانيا بالقرب من الحدود الصربية، منذ 30 عاماً ويعمل طبيباً.
لديه مكان للإقامة، لكنه لا يشعر بالامتنان. لأنه لا يحب رومانيا ولا يرغب بالعيش فيها ولا يتحدث لغتها. وليس لديه فرصة لرؤية عائلته مرة أخرى في الوقت الحالي. فكما يوضح المحامي كارلوس دريشر نظراً لأن الأب والأم مسموح بهما فقط في ألمانيا، فلا يُسمح لهما بمغادرة البلاد. وسيمنع أحمد بدوره من دخول ألمانيا مرة أخرى لعدة سنوات بعد ترحيله.
“الترحيل يشبه مسرحية عبثية”
ويقول المحامي: “إن ترحيله يشبه مسرحية عبثية (..) من جميع النواحي، فإنهم الأشخاص الخطأ الذين يجب ترحيلهم، وقد فعلوا كل شيء لتحقيق ذلك”. أحمد، مثل غالبية المهاجرين، ليس مجرماً أو متطرفاً. يبلغ من العمر 21 عاماً وكان يتخيل ذات يوم أن يبدأ حياة جديدة في هامبورغ والمنطقة المحيطة بها، وأن يقضي شباباً سعيداً، وأن يجد أصدقاء، ويحصل على عمل ومنزل.