Bild: CanvaPro
12/09/2024

صعود خطاب الكراهية في ألمانيا: هل يُدفع اللاجئون للرحيل؟

حتى نهاية الأسبوع الماضي، كان هاشتاغ “السوريون” على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) الأكثر تداولاً في ألمانيا، بعد موجة من التغريدات والتعليقات العنصرية التي تتهمهم بالإرهاب والقتل، وتحمّلهم مسؤولية الهجوم الإرهابي في مدينة زولينغن الذي نفّذه لاجئ سوري وأدى إلى مقتل 3 أشخاص وإصابة آخرين. كمستخدم قديم لهذه المنصة، أدرك تماماً أن هاشتاغات مثل “السوريون” و”الأجانب” أو “المهاجرون” غالباً ما تتصدر الترند بشكل دوري، بغض النظر عن وجود حدث كبير من عدمه. ولكن، ما يزعج بحق هو الكم الهائل من التعليقات المليئة بالكراهية والعنصرية وغير الصحيحة غالباً. والتي يُخلط فيها بين الجاني والضحية، وتضع الجميع في قالب واحد (كلهم مجرمون).

هل اللاجئون مجرمون ليدافعوا عن أنفسهم؟

لا يختلف عاقلان على أن الهجوم الإرهابي في زولينغن، الذي نفّذه شاب سوري، هو حادثة فردية استثنائية. فمرتكب هذا العمل الشنيع يمثل مجموعة متطرفة قتلت السوريين أنفسهم وقطعت رؤوسهم وشردتهم قبل وقت قصير! ومع ذلك، سارع السوريون في ألمانيا إلى التنديد بهذا الفعل المشين والنأي بأنفسهم عنه، ونظموا وقفة تضامنية في مكان الجريمة.

وما يُثير التساؤل هو: لماذا يُضطر هؤلاء إلى تبرئة أنفسهم من فعل لم يرتكبوه؟ ولماذا يجدون أنفسهم مضطرين إلى توضيح موقفهم من قاتلٍ سبق وأن عانوا من أمثاله؟ فهذا بحد ذاته يعكس نوعاً من التعميم الظالم والمسؤولية الجماعية التي تُفرض عليهم بسبب أصولهم. خاصة عندما يكونوا هم أنفسهم قد عانوا سابقاً من العنف الذي يتهمون به مجدداً. يبدو أن الحملة الشرسة التي يقودها حزب البديل لأجل ألمانيا (AfD) ضد اللاجئين فرضت عليهم هذا الدور الإجباري. صحيح أن التضامن مع عائلات الضحايا هو من واجبهم الإنساني. لكن أن يكونوا مضطرين للقيام بذلك وهم مُتهمون وضحايا لحملة تشويه ضدهم يضعهم في موقف صعب يتجاوز الواجب الإنساني. وفي هذا السياق يطول الحديث.

الهروب هو الحل؟!

إن الحملة الإعلامية المشوهة التي تستهدف السوريين واللاجئين، والتي يقودها حزب البديل، تتطلب تدخلًا عاجلاً للحد من تأثيرها قبل أن تسفر عن نتائج كارثية أكبر. كما شهدنا في نتائج انتخابات تورينغن وساكسونيا. إن عدم فرض رقابة فعالة على خطاب الكراهية والمعلومات المضللة المنتشرة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي لن تؤدي فقط إلى تعزيز صعود اليمين المتطرف، الذي يستفيد من التصرفات الفردية الإجرامية لقلة من اللاجئين وأيضًا من الأخطاء السياسية في إدارة ملف الهجرة. بل سيؤدي أيضًا إلى نشر مناخ من الخوف بين اللاجئين، مما قد يدفعهم لمغادرة ألمانيا كما فعل كثيرون بالفعل. وتؤكد دراسة حديثة بعنوان “الرفض والخوف وخطط الهجرة: الآثار الاجتماعية لصعود AfD” أن 9.3٪ من ذوي الخلفيات المهاجرة يفكرون جدياً في مغادرة البلاد نتيجة لنجاحات حزب البديل وتصاعد التمييز والكراهية ضدهم.

من يتحمل مسؤولية تصاعد خطاب الكراهية؟

من غير العادل تحميل السوريين أو اللاجئين مسؤولية الأخطاء البيروقراطية التي أدت إلى عدم اعتقال أو ترحيل مجرم معروف بخطورته. نعم، هناك بين اللاجئين من ارتكب جرائم ومن هو مجرم ومتطرف. ولكن هناك أيضاً المخلص والطبيب والمهندس وغيرهم ممن يساهمون في دعم وبناء المجتمع الألماني. ولكن سياسة التعميم في الخطاب الإعلامي، بالإضافة إلى حملة التشويه بقيادة حزب البديل من شأنها تأجيج مشاعر الكراهية ضدهم بشكل تراكمي وتعزيز الصور النمطية السلبية. ولعل المثال الأبرز التصريحات السابقة لزعيم حزب “الاتحاد المسيحي الديمقراطي”، فريدريش ميرتس، عندما قال إن مشكلة طول الانتظار في عيادات الأطباء تعود إلى وجود اللاجئين في البلاد. متناسياً بذلك أن السوريين يشكلون النسبة الأكبر من الأطباء الأجانب في ألمانيا.

ما هو دور اللاجئين؟

يبدو أن جهود اليمين المتطرف في رسم صورة نمطية سلبية لجميع اللاجئين بدأت تؤتي ثمارها. وقد أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة في تورينغن وساكسونيا هذا بوضوح. وفي مواجهة هذه التحديات، يتعين على علينا جميعاً توحيد الجهود والعمل على تأسيس جمعيات ومنظمات تعكس هويتنا الحقيقية. كما ينبغي (على البعض منا) التمسك بالقيم الأصيلة لمجتمعاتنا، وتجنب أي سلوك قد يُساء تفسيره، مع التركيز على الاندماج الإيجابي في المجتمع الألماني. والذي لا يقتصر على الجوانب الثقافية والاجتماعية فحسب، بل يشمل أيضًا المشاركة الفعالة في الحياة السياسية. إذ إن الانخراط في الأحزاب السياسية الألمانية يعتبر خطوة أساسية لضمان حضورنا في المستقبل السياسي للبلاد، وللمساعدة في التصدي للحملات العنصرية التي تستهدفنا بذنب أو بدون!