ما إن دخلنا إلى مركز الاستقبال”Welcome Center” المخصص لمساعدة القادمين الجدد في مدينة فورست التابعة لولاية براندنبورغ حتى لفت انتباهنا رمز المنارة التي تزين الكتيبات التعريفية الصغيرة في المركز أو تتوسط اللوحة الكبيرة التي ترتسم عليها خطّة المركز المستقبلية. تلك المنارة التي تنير طريق السفن الخائفة في ظلمة الليل وتوصلهم إلى شاطئ الأمان. هي نفسها التي اعتمدها المركز كشعار له.
وفي المركز الذي موّلته الحكومة الاتحادية لتقديم يد المساعدة للمهاجرين الجدد، الذين يحطّون رحالهم في بلد غريب عنهم سواء من حيث اللغة أو من حيث القوانين والمعاملات الحكومية. التقينا بالسيد محمود مهنّي مدير المركز ودار بيننا حديث حول حياته، عمله ودور المركز وما يمكن أن يقدّمه للقادمين الجدد ليتمكنوا من الاندماج في سوق العمل.
الرحلة إلى إدارة المركز!
محمود مهنّي القادم من محافظة المنية في صعيد مصر والذي وصل إلى ألمانيا عام 2013. بدأ رحلته من مدينة ميونخ حيث درس ماستر في إدارة الأعمال في FOM. وأثناء دراسته عمل في شركة Highlight Towers Design Offices. وعندما أنهى دراسته اشتغل مع Regierung von Oberbyern في مركز التسجيلregierungsaufnahmestelle . وحين قدمت أعداد كبيرة من اللاجئين عام 2015 بدأ العمل معهم خاصة وأنهم كانوا بحاجة لمن يتكلم اللغتين العربية والألمانية ولديه فكرة عن الثقافة والدين وما يتعلّق باللاجئين وحياتهم.
ثمّ قرر الاستقرار مع زوجته وعائلتها في فورست ورغم صعوبة إيجاد عمل، إلا أنه وبسبب خبرته في مجال العمل الاجتماعي بدأ عمله كـ Integration Berater في مكتب GBV. إلى جانب دراسة الماستر Sozial Arbeit ليقرن خبراته النظرية التي تدعم خبراته العملية.
مشروع Welcome Center
ومع خبرته الطويلة في العمل مع اللاجئين تواصلت معه الحكومة لإدارة مشروع Welcome Center. ووفقاً للسيد مهنّي فالمشروع مخصص لدمج العمال الماهرين والاختصاصيين في سوق العمل. لكنّ أبواب المركز مفتوحة لجميع من يطرق بابهم. “إننا نستقبل الجميع لأننا لا نريد أن نميّز بين من يطلبون مساعدتنا. فنحن نساعد في جميع مجالات الحياة للقادمين الجدد الذين يتبعون خطوات الاندماج الأولى سواء كانوا من اللاجئين أو القادمين من أجل العمل”.
هل التوجه الحكومي يساعد المهاجرين على الاندماج بسوق العمل؟
ولأن السيد مهنّي عاش تجربة الحياة في بلد جديد لا يعرف قوانينه أبداً. فهو يعرف احتياجات القادمين الجدد. “ورغم أنني تزوجت من سيدة ألمانية لكن هناك كثيراً من الأشياء التي لم أعرفها إلا من خلال تجارب صعبة مررنا بها. وهذه المعلومات التي لم نكن نعرفها كانت سبباً في تعرضنا لعقوبات”.
ولا يكفي أن يؤمّن القادمون العمل والمسكن فحسب، بل يحتاجون إلى معلومات عن جوانب الحياة هنا. وأن يكون هناك مركز متخصص يستطيع توفير هذه المعلومات له فهو أمر مهم جداً. “وإن كانت تلك المساعدة تحدث بشكل مؤسساتي فستكون ناجحة جداً. وتساعد في الاندماج بشكل أسهل وأسرع”.
هل يؤثر صعود اليمين المتطرف على اللاجئين والقادمين الجدد؟
ورغم قتامة المشهد السياسي الراهن إلا أن للسيد مهنّي وجهة نظر أخرى بما يخصّ صعود اليمين المتطرّف في ولاية براندنبورغ. فاليمين المتطرّف لم يحكم بعد، “وهذا كله، حتى نكون واقعيين، يندرج تحت الدعاية السياسية. فمعظم الأحزاب تحاول دغدغة مشاعر الناخبين لكسب أكبر نسبة من التصويت. لكن القوانين والدستور تجبر هذه الأحزاب على التقيّد بها. وهذا يعني أنهم لا يستطيعون تنفيذ وعودهم الانتخابية. وبرأيي أن خوفنا مبالغ فيه، وهذا نتيجة الجهل بالقوانين والأطر الحاكمة”.
لكنّ هذا لا يعني أن هناك تغييراً في النسيج الاجتماعي للمنطقة وأن هناك عقبات تزيد صعوبة اندماج اللاجئين، منها البيروقراطية ونظرة الألمان التي تغيّرت تجاه الأجانب الذين زاد عددهم كثيراً. ولا ننسى دور الإعلام الذي يعزّز تشويه صورة اللاجئين الأجانب.
ما هي نسبة العاملين من المهاجرين؟
وفقاً للإحصائيات يحصل 47% من اللاجئين على مساعدة من الجوب سنتر. لكنّ السيد مهنّي تحدّث عن أنواع المهاجرين. “فهناك العمال الماهرون القادمون تحت بند فيزا عقد العمل أو الدراسة. وهؤلاء يسهل اندماجهم في سوق العمل. أما اللاجئ فلديه مراحل أكثر صعوبة يجب أن يمرّ بها، ومنها الوقت الذي يحتاجه للحصول على الإقامة، أو الاعتراف بحقه في العمل. وهذا يعني أنه يضطر إلى البقاء طويلاً بلا عمل. ويزيد الوقت اللازم لتعلّم اللغة من صعوبة هذه المراحل”.
هذه العقبات تؤخر اللاجئين عن الاندماج في سوق العمل وقد يمتدّ التأخير إلى سنتين أو أكثر. والانقطاع عن العمل، يزيد من الصعوبة، فالفجوة الموجودة في السيرة الذاتية تؤثر سلباً على فرصهم. وبالتالي يحتاج إلى إعادة تأهيل وبرامج مخصصة. لكنّ الحكومة تقدّم مشاريع لدمجهم في سوق العمل”.
هل هناك تعاون بين الشركات والحكومة لمساعدة المهاجرين؟
فهل تكفي تلك المشاريع؟ خاصّة وأن كثيراً من الشباب يتمّون دراستهم ويحاولون الحصول على عمل لكن الشركات ترفضهم بحجة عدم امتلاكهم الخبرة التي تؤهلهم. فهل يختلف الأمر في براندنبورغ؟ يعتبر السيد مهنّي أن هناك تغييراً كبيراً. “لدينا هنا عجز حاد وكبير في العمالة بشكل عام والمتخصصة بشكل خاص. وأصحاب العمل يبحثون ويطلبون منا أن نرسل لهم أيدٍ عاملة ويعرضون فرصة تدريبهم في حال عدم امتلاكهم للخبرة المناسبة. وبدأ أصحاب العمل بالتغاضي عن موضوع اللغة بسبب العجز الحاد في الأيدي الماهرة”.
كما يثني على مبادرات الحكومة ومنها مثلاً “الاعتراف بالمؤهلات والتي تعني أن من يمتلك خبرة في مجال ما ولا يمتلك شهادات تؤكّد تلك الخبرات يمكنه أن يخضع لفترة اختبار وتدريب في إحدى الشركات ثم ينال شهادة تؤكد قدرته على العمل”.
النصائح للقادمين الجدد
يعتقد السيد مهنّي أن أول وأهم خطوة يجب على المهاجرين اتخاذها هي الابتعاد عما تتداوله صفحات التواصل الاجتماعي لأنها غالباً تقدّم معلومات مغلوطة ومضللة. “فهناك تغيير في القوانين لصالح المهاجرين الراغبين في العمل. وهناك تسهيلات منها الجنسية مثلاً”. كما ينصح بلجوء الباحثين عن المساعدة إلى مراكز واللجوء. فهذه المراكز موجودة لتقديم المساعدة. وهذه المبادرات المكلفة التي تدعمها الحكومة تسهّل حياة القادمين الجدد.