Foto: Kholoud Fakhra
26/11/2023

المدارس العربية في برلين.. هل حققت الهدف؟ 

كثيراً ما يتساءل المهتمون بشؤون الجالية العربية في ألمانيا. عما إذا كانت المدارس العربية عاملاً مساعداً لأبناء الجيل العربي على التطور في تعلّم لغتهم الأم في هذا البلد الأوروبي. أو أنها مجرد واجهة غير قادرة على تحقيق الهدف!

وقد شكّل تعلم اللغة العربية على الدوام هاجساً بالنسبة للمهاجرين العرب في ألمانيا. ممن وجدوا فجوة كبيرة بين الجيل العربي “الثاني” والثقافة العربية. ما دفع معظمهم العمل لتدارك التقصير قدر الإمكان، وزجّ أبنائهم في صفوف المدارس العربية المحيطة. ولكن، هل حققت تلك المدارس الهدف المرجو؟ ومن يتحمل نتائج النجاح أو الإخفاق؟ وما هي المشاكل التي تواجهها المدارس العربية في ألمانيا؟

المدارس العربية ونظرة أولياء الأمور!

سحر الناطور

تُجيبنا عن هذه التساؤلات، الخبيرة اللغوية، المعلمة والخبيرة في صعوبات التعلّم في المدارس الألمانية، مديرة مدرسة “بوابة برلين العربية” للناطقين وغير الناطقين بها، السيدة سحر الناطور: “إن من أهم المشاكل التي نواجهها كتربويين في المدارس العربية هنا، انقياد أولياء الأمور لأولادهم لا انقياد الأولاد لهم! حيث أنهم  -بدون إدراك- ينصاعون لقرارات الأبناء، بعدم الرغبة بمواصلة تعلّم اللغة العربية. بل إنهم يفخرون بتعطيل أبنائهم درس اللغة العربية في اليوم الوحيد “نهاية الأسبوع” بسبب موعد مباراة كرة قدم أو زيارة أقارب أو سفر وغيره. هنا نلاحظ ونفهم نظرة أولياء الأمور تجاه ما هو مهم وما هو أهم للأسف. هناك أيضاً من يعتبر أن تعلّم اللغة العربية حكر على أبناء المسلمين فقط، وأنها لا تُعلّم إلّا في المساجد! مع العلم أن لغتنا العربية هدفٌ أصيل لكل من أراد تعلّمها، بغض النظر عن أصله ودينه ومذهبه”.

عدم كفاءة وتجاهل!

تتابع الناطور: “من المشاكل الأخرى التي تعرقل سير العملية التعليمية: عدم كفاءة بعض المعلمين وجهلهم بالطرق المتاحة لجذب الطالب وشدّه بشكل إيجابي ومريح ليستمر في تعلم اللغة العربية من جهة. وتقصير الأهل في التحدث مع أبنائهم بلغتهم الأم من جهة أخرى. ما يؤدي إلى تأخرهم في نطق الكلمات العربية، بسبب قلة استخدامها حتى لو مع اللكنة المحلية للأهل داخل المنزل”.

عناء الوصول إلى المدارس وبُعد المسافات!

تقول السيدة الناطور: “هناك عامل آخر مهم، فبعد ازدياد أعداد طلاب اللغة العربية في الآونة الأخيرة. أصبحت الحاجة ملحّة لفتح صفوف أكثر ونشر المدارس العربية في كل المناطق. بهدف تمكين الطلاب من ارتيادها بسهولة وبدون عناء المسافات. خاصةً الصغار منهم، الذين تتراوح أعمارهم من ستة إلى عشر سنوات. لأن ما يحدث حالياً هو اضطرار أولياء الأمور إحضار أبنائهم للمدرسة العربية وإعادتهم ثانيةً إلى المنزل بعد انتهاء الدرس. وحقيقةً، هذا يصنع نوعاً من العناء والتعب عليهم بسبب بعد المسافة، ما يضطرهم غالباً لإلغاء ذهاب أبنائهم إلى دروس اللغة”.

تثقيف أولياء الأمور وإعادة تأهيل المعلمين!

وفي سبيل إيجاد الحلول لتلك المشاكل، تؤكد الناطور على ضرورة تثقيف أولياء الأمور بأهمية ومزايا تعلّم اللغة العربية لأبنائهم، وذلك من خلال لقائهم بشكل دوري، وإرشادهم للطرق الإيجابية التي تساعد على استمرار أبناءهم في تعلّمها.

وأضافت: “فيما يخص المعلمين، فالحصول على شهادة التأهيل التربوي مهمة، إضافةً إلى الإلمام باللغة الألمانية قدر الإمكان، ذلك أنه ليس خفي أن أبناءنا أميين في اللغة العربية، ولابد من إيجاد جسر تفاهم يسهّل مهمة استيعاب درس اللغة العربية على الطالب، ويمنع ملله او استصعابه للغة العربية وهكذا نكون قد جذبنا الطالب للاستمرار”.

وتابعت: “كما أرى أن من ضمن تأهيل المعلمين، اطلاعهم على طرق التدريس والتعليم الدائرة في المدارس الألمانية. لتلافي شعور الطالب بفرق شاسع بين درس تعلم اللغة الألمانية، الإنجليزية أو الفرنسية، وأي لغة ثالثة. كما لا بد من تحلّيهم بالصبر وسعة الصدر وتقبّل الطالب كيفما كان بدون أي عصبية وتوتر. ما هو مهم هنا أن لا يعمل المعلم على تنفير الطالب من درس اللغة العربية، بل جذبه باللطف واللين والحب والكلام الطيب والايجابي، مخافة أن يكون سبباً في خلق حاجز بين الطالب وتعلّمه لغته الأم، لا سيما أنه يأتي ليتعلمها سواء كرهاً أو برضاه. في نهاية عطلته الأسبوعية بعد أسبوع دراسي حافل في المدرسة الألمانية”.

إعادة مجد لغة العلم والعلماء دون احتكارها لفئة معينة!

وتختم الناطور رأيها بالقول: “بالنسبة لسوء فهم مكان تعلم اللغة العربية وحصره في نظر بعض أولياء الأمور بالمساجد فقط. فأنا أقول لهم: نعم، قد يتوفر في المساجد مكاناً لإقامة دروس اللغة العربية. لكن هذا لا يلغي ولا يمنحنا النظرة الضيقة بتحديد المكان. صراحةً، أثني على كل كفؤ فتح أبوابه لتعليم اللغة العربية لأولانا وبناتنا في بلاد الاغتراب. ولكني أقول لمن يعتقدها حكراً على المسلمين: لا يجوز أن نحد من انتشار لغتنا، ومن حقها علينا التعريف بها على أوسع نطاق في العالم. وبين الناس المثقفين، وأن نمنحهم فرصة المساهمة معنا في نشرها، وتحبيب كل إنسان بهذه اللغة الفذة التي نعجز عن وصف جمالها وأناقتها. لا ننكر على لغتنا أنها قبل 500 عام على الأقل كانت اللغة العالمية الأولى، إذ كان لا يُقبل من خريجي الطب ممارسة مهنة الطب قبل التقدم لامتحان اللغة العربية واجتيازه بنجاح. لماذا لا نسعى بكل السبل والطرق لإعادة مجد لغة العلم والعلماء ونسخ مخطوطات العلم الأصلية”.
المدارس العربية في برلين
تقرير وإعداد: خلود فاخرة