Image by Alexandra_Koch from Pixabay
19/11/2023

جنون الأسعار في ألمانيا.. كيف يلتهم التضخم نقودنا؟

تسبب جنون أسعار المواد والسلع بألمانيا  في موجة استياء كبيرة من قبل أصحاب الدخل المحدود، فالكماليات التي كانوا ينعمون بها غدت ضرباً من الماضي! م اهي أسباب ارتفاع الأسعار؟ وكيف الحد من آثارها السلبية على المتضررين منهم؟

جنون الأسعار

يعاني أصحاب الدخل المحدود من الانعكاسات السلبية لارتفاع أسعار المواد والسلع الغذائية. الموظف في معمل (Continental) فادي السيد، أكد أن أسعار المواد الغذائية  كانت رخيصة جداً في السابق، مقارنة مع متوسط الأجر الذي يحصل عليه العامل كمرتب شهري. فمثلاً كان متوسط الأجر عام 2008 حوالي 8 يورو للساعة، في حين كان سعر 1 كغ لحم الضأن آنذاك بـ 4 يورو! و1 كغ الفروج بـ 2 يورو و50 سنت، و1 كغ من البندورة الكبيرة بـ 50 سنت، و1 كغ موز بـ 30 سنت.. إلخ.

ويضيف السيد: “حالياً  أتقاضى نحو 12 يورو للساعة، ولكن أرتفع سعر 1 كغ لحم الضأن إلى 14 يورو! و1 كغ الفروج 5 يورو، و1 كغ البندورة بـ 2 يورو و59 سنت، والموز يورو و29 سنت!

ويتابع السيد: “لم يعد بالإمكان ادخار النقود بسبب ارتفاع الأسعار، وأصبح شغلي الشاغل هو تأمين كفاف العيش لي ولعائلتي، فالبحبوحة التي كنا ننعم بها أصبحت ضرباً من الماضي”.

إيجارات الشقق والفواتير

لم يتوقف التضخم فقط على ارتفاع أسعار المواد والسلع بل تعداها ليصل إلى ارتفاع أسعار العقارات وإيجارات السكن! هذا ما أكدته العاملة في إحدى مراكز البيع بمدينة لايبزيغ سليمة إبراهيم، إذ كانت تدفع إيجار شهري لمسكنها قبل خمس سنوات قرابة 550  يورو. وكان دخلها الشهري يبلغ 1800 يورو، أما حالياً فإيجار منزلها وصل إلى 800  يورو، بينما زاد راتبها ليصل 2100 يورو فقط!

بينت سليمة قائلة: “كنت آمل أن تظل إيجارات العقارات على حالها وألا تسجل ارتفاعاً نتيجة الجائحات والأزمات العالمية، لكنني تفاجأت بالزيادة التدريجية لتكاليف السكن! إذ ارتفع إيجار بيتي بما نسبته 40%! في حين زاد راتبي بما يعادل 20%. أي أنني خسرت بسبب التضخم الحاصل 20% من القيمة الشرائية لدخلي في مجال العقارات فقط”.

وتتابع: “لم يتوقف الأمر فقط في ارتفاع أيجار المنزل، بل رافقه أيضاً زيادة بأسعار الطاقة والتدفئة، التي وصلت إلى أسعار خيالية لا يمكن للعامل العادي أن يتحمل مشقتها، فعلى سبيل المثال كنت أدفع شهرياً 55 يورو لفاتورة الكهرباء و70 يورو للغاز، أما حالياً فزادت فاتورة الكهرباء إلى 100 يورو! والغاز 150 يورو، أي أن التضخم بأسعار الطاقة وصل إلى نسبة 50% تقريباً”.

نفقات السيارة

صاحب التضخم الحاصل ارتفاع أسعار وقود وأجور تصليح السيارات وتأمينها. الموظف في شركة البريد (DHL)عبد العزيز شكري قال إنه اضطر إلى بيع سيارته والاستعاضة عنها بالقطار كوسيلة نقل! فالسيارة أصبحت بالنسبة له عبئاً ثقيلاً لا يمكن تحمل تكاليفها الشهرية. فعلى سبيل المثال كان سعر ليتر البنزين قبل أربع سنوات حوالي يورو و20 سنت. أما حالياً وصل سعره إلى يورو و86 سنت!

وبعملية حسابية بسيطة كان يملأ خزان وقود سيارته بـ 60 يورو. أما الآن فيحتاج المرء ما يقارب 93 يورو. أما تصليح السيارة فحدث ولا حرج، حيث زادت تكاليف التصليح وأسعار قطع غيار السيارات لتصل إلى أسعار خيالية! فتغيير دبرياج سيارة طراز فولكس فاغن كان يكلف 220 يورو. وتبديل الإطارات كان يكلف 216 يورو! لكن أصبح اليوم تغيير الدبرياج يصل 480 يورو، وتبديل الإطارات نحو 400 يورو.

ويضيف شكري: “ما أود قوله أنه لم يعد بمقدور العامل العادي أن يتحمل تكاليف سيارته، وقد يضطر المرء في بعض الحالات أن يدفع كامل راتبه الشهري في حال وجود عطل كبير في السيارة”.

الجائحة والحرب

أدت جائحة كورونا إلى توقف شركات كثيرة عن تصدير المنتجات إلى ألمانيا. خاصة الدول التي كانت تعاني من إصابات كثيرة كالصين! ما تسبب بزيادة الطلب أكثر من العرض، وكانت النتيجة ارتفاع أسعار كافة المنتجات المستوردة.

هذا ما أوضحه الخبير بالشأن الاقتصادي ليث أبو زيد قائلاً: “زاد من الطين بلة ً احتكار عدد كبير من التجار للسلع وتخزينها في المستودعات بغية تحقيق أرباح خيالية! حيث رفع هؤلاء التجار أسعار السلع أضعاف أسعارها الأولية! فمثلاً كان سعر عبوة زيت دوار الشمس 1 ليتر بحدود 70 سنت، وفي أثناء الجائحة ارتفعت إلى 5 يورو! أيضاً رفع التجار أسعار الطحين والسكر والرز وكافة المواد التموينية المستوردة”.

ويضيف أبو زيد: “كما ساهمت الحرب الروسية على أوكرانيا بزيادة الأسعار، حيث توقف استيراد عدد كبير من المواد والسلع القادمة من روسيا وأوكرانيا، منها بشكل رئيسي توقف استيراد الغاز الروسي الذي يعد شريان الحياة الاقتصادية في ألمانيا. وجراء الحرب استعيض عن الغاز الروسي بمصادر طاقة من دول بعيدة وبأسعار مرتفعة”.

تدخل إيجابي

إن مشكلة تضخم الأسعار ليست مشكلة محلية تخص ألمانيا. بل هي مشكلة عالمية، لذلك لا يمكن إلقاء اللوم على الجهات الحكومية واعتبارها المسبب الأساسي لارتفاع الأسعار.

وختم أبو زيد حديثه قائلا: “يمكن للجهات المعنية تقديم حلول ناجعة تخفف من وطأة تفاقم الأسعار وانعكاساتها على المواطنين. كفتح أسواق جديدة لاستيراد بضائع ومنتجات من دول كأمريكا اللاتينية، وزيادة أجور العاملين لتعزيز القوة الشرائية. والتدخل الإيجابي لكبح جماح الأسعار، وتعزيز الدعم الأسري بزيادة المنح المالية للعائلات”.

  • إعداد وتقرير: عدنان كدم
    adnankadm15@gmail.com