فكرة اللغة العربية كلغة ثالثة في مدارس ألمانيا لم تكن يوماً قصيّة علينا. فعلاقتنا باللغة العربية معقّدة ويصعب توصيفها. هي عصيّة حيناً ومتّهمة بالجمود وتحتاج إلى تطوير لتواكب العصر. وهي هويتنا حيناً آخر وواجبنا أن نحافظ عليها كي لا ترمى في المعاجم. وأمام هذه الحيرة التي ازدادت عمقاً مع موجات اللجوء الجديدة نجد أنفسنا أمام تساؤل يزداد إلحاحاً كلّما طال بقاؤنا. كيف نحافظ على لغتنا الأم؟ وكيف يتعلّمها أبناؤنا؟ مدفوعين بأسباب كثيرة منها الخوف من استحالة وجود وسيلة تواصل بين الأهل وأبنائهم أو الخوف من تكريس الغربة في النفوس مع ضياع اللغة الأم والغالب عند أكثر العائلات هو ضرورة تعلّم لغة القرآن الكريم.
اللغة العربية كلغة ثالثة في مدارس هامبورغ
وهو ما يدفع الأهل إلى البحث عن مدرّسين وأماكن خاصة لتعليم اللغة الأم. لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن مدناً عديدة في ألمانيا أدرجت اللغة العربية في بعض مدارسها ومنها هامبورغ، لايبزيك، دورتموند، كولن وغيرها. ففي هامبورغ مثلاً هناك ثلاثة أشكال مختلفة لتعليم اللغة الأم كتعليم إضافي طوعي، أو كلغة أجنبية ثانية، أو ثالثة، أو كعرض تعليمي ثنائي اللغة. ووفقاً لمجلس الحكومة يوجد أكثر من 10 آلاف طالب يدرسون اللغة العربية في 21 مجموعة.
اختيار اللغة العربية كلغة ثالثة!
بدأ إدراج اللغة العربية كلغة ثالثة في المدارس منذ عام 2018. وهذا ساعد الكثير من الطلاب الذين لجأ بعضهم إلى ألمانيا بعمر صغير ولم يسعفهم الوقت ليتمكّنوا من اللغة الألمانية بشكل جيّد. وهو ما أكدت عليه رؤى “لم أكن أعرف بوجود اللغة العربية في امتحان الثانوية العامة حتى أخبرتني (مدرسة اللغة الألمانية) وقالت إنني أستطيع اختيارها لأرفع معدلي وبما أنها لغتي الأم. قمت بتقديم طلب عن طريق المدرسة الألمانية”. في حين تلقّت طالبة أخرى بعض المعلومات من طلاب سابقين نصحوها باختيار اللغة العربية بهدف تحسين المعدل في الشهادة الثانوية.
ما هي الإيجابيات لاختيار اللغة العربية؟
ورغم أن الطالبة مرح اعتبرت أنّ الأمر الإيجابي الوحيد هو “أنه لا حاجة للبدء بلغة جديدة من الصفر”. تجد رؤى هذا الأمر كفرصة للاطّلاع على الأدب العربي والتعمّق فيه وأن له “تأثيراً إيجابياً كبير على شخصيتنا كمغتربين لأن الثقافة العربية تعززت لدينا وصرنا نحبها أكثر ونفتخر بها ونحبّ أن نقرأ حتى في أوقات فراغنا”. بالإضافة إلى أن “جو الألفة الذي جمعنا مع زملائها خلال حصة اللغة العربية كان مختلفاً تماماً عن المدرسة الألمانية”.
جوانب إيجابية أخرى
ومن الجوانب الإيجابية أيضاً، والتي تخصّ الطلاب القادمين إلى ألمانيا بعمر مدرسيّ متأخر. وكانوا قد درسوا اللغة العربية أصلاً في بلدانهم الأم. هؤلاء يمنحون إعفاء من اختيار اللغة الثالثة في حال قدّموا إثباتاً يؤكّد دراستهم للغة العربية. وهو ما حصل مع “م.ب” التي نالت إعفاءً بناءً على أنها قدمت امتحان الشهادة الثانوية في مصر. “وهذا معناه أنني درست أكثر من ثمان سنوات باللغة العربية وعادة يسمح بالإعفاء إذا درس الطالب اللغة لأكثر من ست سنوات ولذلك لم أكن مضطرة لاختيار لغة ثالثة”. وهذه الخطوة منحتها فرصة للتركيز أكثر على لغتها الألمانية وعلى المواد الأخرى التي قدمتها باللغة الألمانية.
الوجه المرّ لاختيار اللغة العربية!
على أن من تحدّثوا عن تجربتهم أجمعوا على رجوح كفّة السلبيات. وأعربوا عن ندمهم لاختيار اللغة العربية التي أملوا بأنها سترفع من معدلهم. فمرح مثلاً تحدّثت من خلال تجربتها عن عدّة جوانب سلبية منها الذهاب إلى مدرسة أخرى مساءً لحضور دروس اللغة العربية. بالإضافة إلى أن المعلّمة كانت “تطالب بكتابة نصوص متل خريجي الأدب العربي بدون أخطاء”. أما إيمي فرأت أن “المنهج الدراسي بحسب خلفية بلد المعلمة. بالإضافة إلى أننا في سوريا مثلاً لم نكن نعرف طريقة تحليل نص”. وتمنّت أن يكون هناك منهاج واحد وأساسي يناسب الجميع. وأكّدت رؤى على تلك المسألة “التقييم كان صارماً جداً من قبل المدرّسة ورغم أنها عفوية بتعاملها لكنها بالنسبة للتصحيح لم تكن ترحم أحداً”.
الندم على الاختيار!
ولأن اختيار اللغة العربية كان في الغالب من أجل تحسين معدّل امتحان الثانوية العامة. كان يأمل الطلاب بالحصول على درجات عالية لكنّ ذلك لم يتحقّق. تقول سناء “ومن الأشياء المتعبة أننا لم نكن ندرس القواعد أبداً لكن كنا مجبرين على الكتابة قواعدياً بشكل صحيح” وما يزيد الأمر سوءاً بالنسبة لسناء أن “الانقطاع عن اللغة العربية سبب نسيان الكثير ولم يكن هناك مرحلة تأسيسية قبل البدء بالمرحلة الجديدة”. أما رؤى فقد كانت تحصل على نفس الدرجة التي نالتها في اللغة الألمانية رغم أنها بذلت مجهوداً أكبر من أجل اللغة العربية. “بصراحة لا أريد القول إنني ندمت لكن لو بقيت مع اللغة الألمانية لكان أفضل ولكانت تطورت لغتي الألمانية وتحسن معدلي أكثر”.
التراجع عن اختيار اللغة العربية!
لم يقف الأمر عند حدّ الندم وإنّما تعدّاه إلى التراجع عن الاختيار فإيمي مثلاً حصلت على نفس الدرجة في اللغتين العربية والألمانية رغم أنها في ألمانيا منذ أربع سنوات فقط. وهذا ما دفعها إلى التراجع عن اختيار اللغة العربية. “قررت أن أقدم امتحان البكالوريا باللغة الألمانية وحصلت على درجة ممتاز”. ربّما يعود سبب الإحباط الذي يصيب أغلب الطلاب إلى إحساسهم بالفشل رغم أنها لغتهم الأم. فهم يتكلّمون اللغة العربية لكنّ ذلك لا يكفي ليجتازوا امتحانها بشكل جيد. ولا يعني أنهم قادرون على فكّ طلاسم قواعدها الصعبة وتحليل نصوصها المعقّدة.
ملاحظة: بعض الأسماء الواردة وهمية بحسب طلب الطالبات..