مع انقضاء النصف الأول من شهر رمضان المبارك، لا تزال الجالية المسلمة في برلين تعيش أجواء من التقوى والسكينة، مُقبلةً بحماسٍ كبير، وبروحٍ من الإخاء والتلاحم، على مختلف الأنشطة والطقوس الروحية المرتبطة بهذا الشهر المبارك.
مبادرة إفطار الصائم.. أهم قيم التضامن والتعايش
هنا، وتحديداً بمسجد الفينو في شارع زونن أليه، يكرّس المسلمون العرب ارتباطهم الراسخ والعميق ببلدهم الأصلي من خلال تنفيذ العديد من المبادرات، ومنها مبادرة “إفطار الصائم” التي يشارك بها العديد من أفراد الجالية تكفّلاً بإطعام الصائمين في جو يسوده التآزر والتآلف.
حلقات نقاش وأعمال خيرية
يقول أحد القيّمين على المبادرة: “هذا النوع من أعمال الخير، يفسح المجال أمام تقوية أواصر الأخوّة والتضامن بين المسلمين الذين يقضون الشهر الكريم خارج محيطهم العائلي، سواء كانوا عرباً أو أتراك أو ألبان أو أفارقة”.
يتابع: “هناك من يعاني من صعوبة التجربة الرمضانية في هذا البلد بسبب انعدام الجو الروحي المتأصل لديه، وبُعده عن أهله ووطنه، وهنا يأتي دورنا في دعوة الجميع للتعريف برمضان عن طريق حلقات النقاش والتوعية والدروس اليومية، أو الإفطار الجماعي، والتحضير فيما بعد لفعاليات ونشاطات مسلية طوال أيام عيد الفطر في الساحة الخاصة بالمسجد، الأمر الذي يخفف وطأة الحنين إلى الوطن ويمنح شعوراً بالسعادة والسلام للأسر المغتربة وأطفالها”.
لا شيء يضاهي جو العائلة.. ولكن!
وبمقارنةٍ بسيطة بين أجواء وطقوس الشهر الكريم هنا في برلين، وما هي عليه في أرض الوطن، تقول سميرة القادمة من المغرب، والمقيمة في ألمانيا منذ عشر سنوات: “لا شيء يضاهي أجوائي العائلية في بلدي، ولكن حين يتعذر عليّ التواجد مع عائلتي بسبب التزاماتي المهنية هنا، حينها لا بد من التكيّف مع الوضع الجديد والعيش بشكل مختلف، مع محاولتي الحفاظ على الطقوس والتقاليد الخاصة بي في هذا الشهر الكريم، كالمشاركة بتجهيز الوجبات وتوزيعها على المحتاجين، وأيضاً توجيه الدعوات للأصدقاء والمعارف للالتقاء بهم وتجديد أواصر المحبة معهم”.
أحنّ إلى خبز.. الناعم!
وعن ذكرياته الرمضانية، يقول الشاب الفلسطيني محمد نور، البالغ من العمر ست عشرة عاماً: “غادرت وأهلي سورية منذ تسع سنوات، ومع أنني كنت صغير السن وقتها، إلّا أنني أستطيع تذكّر الكثير من طقوس عائلتي الرمضانية الجميلة، كاجتماع الأهل والأقارب في الولائم اليومية، والذهاب مع والدي إلى المسجد كل مساء لأداء صلاة العشاء والتراويح، ثم التلذذ بروائح طيّبات شوارع شهيرة لدينا كـ(اليرموك أو الجزماتية)، حيث شراء الحلويات وخبز الناعم والتمر هندي”.
يتابع: “لحسن الحظ، لم يتغيّر علينا شيء من تلك الطقوس هنا، وخاصةً في شارع العرب الذي أعيش فيه مع أسرتي، حيث تتشابه طبيعة الأسواق والمأكولات والبضائع المعروضة، والتي يسعى أصحابها دوماً لاستيرادها من بلادنا العربية للمحافظة على نفس سوية الذوق العام”.
موائد الرحمن.. ليست حكراً على أحد!
من جهته، يؤكد أبو تيسير، القادم من دمشق حرصه على تربية أبنائه لاستقبال شهر رمضان الكريم بحفاوة بالغة، فيقول: “الأطفال هنا يشاهدون الألمان يحتفلون بأعيادهم ويهتمون اهتماماً كبيراً بمناسباتهم المختلفة، وذلك يدفعنا أكثر للاهتمام بمناسباتنا المختلفة وعلى رأسها شهر رمضان المبارك. أنا أحرص مع زوجتي وأولادي على حضور موائد الرحمن داخل المساجد، فالإفطار مع الجماعة يعطي البركة ويذكّرنا بإفطارات رمضان في بلدي، حيث كان الجيران يتبادلون أطباق الطعام، فتجد في كل بيت من بيوت الحارة أطعمة مختلفة على مائدة الإفطار”.
يتابع أبو تيسير: “ليست موائد الرحمن حكراً على الفقراء والمساكين، ولا حتى على ميسوري الحال، فهنا لا مكان للفوارق الاجتماعية ولا للمحسوبيات، ويمكن للأشخاص العاديين والأغنياء وعابري السبيل والمغتربين وكل من افتقد إلى الأجواء الرمضانية الاستفادة من خدماتها، إضافةً إلى الشباب اليافعين والنساء وكبار السن والأطفال”.
زينة وفوانيس وكحك عيد!
ومن مصر، أم الدنيا، تقول السيدة ليلى: “أحرص كل عام على تزيين بيتي باللوحات الجميلة والأضواء والفوانيس، إضافةً إلى طهي المأكولات المصرية والتحضيرات لكحك العيد. فأنا أحب أن أعيش مع زوجي وأبنائي نفس الجو الرمضاني في بلدي، كما نشارك بموائد الإفطار التي تجمع أبناء الجالية المصرية في برلين، وندعو الجاليات العربية الشقيقة ليشاركونا أجواء رمضان، ولنتبادل المأكولات المحببة لدينا والتي نفتقدها كثيراً”.
المناسبة الأفضل للتعارف وتوجيه الدعوات!
وإلى نهاية الشهر الفضيل، تستمر ممارسة الطقوس الرمضانية، إذ يجد البعض في شهر الصوم مناسبة جيدة للتعارف وتوجيه الدعوة إلى بعضهم البعض في المسجد أو المنزل لتناول وجبة الإفطار، ثم الاجتماع بعدها لأداء صلاة التراويح، بينما يذهب بعضهم إلى المقاهي لتبادل الأحاديث والسهر معاً. وقد يتخلل هذه اللقاءات الليلية تدخين النرجيلة وشرب القهوة والشاي العربي، وقد لا يخلو الأمر من الاستماع إلى بعض أغاني الطرب الشرقي، لاسيما في أوساط الشباب العاشقين للخيم الرمضانية!
- إعداد وتقرير: خلود فاخرة