ليس خفياً على أحد التطور الذي نشهده في سوق السيارات والاتجاه العام نحو العربات الكهربائية وتطوير أنظمة القيادة الذاتية. ضمن هذا الإطار وضع العملاق الألماني فولكس فاغن خطة لاستثمار 180 مليار يورو خلال السنوات الخمس القادم. ولكن كيف سيتم استثمار هذا المبلغ الضخم ولماذا؟ وكيف سيؤثر ذلك على سوق السيارات العالمي، وأخيراً هل ألمانيا مستعدة فعلاً للانتقال إلى السيارات الكهربائية، وهل نحن بحاجة لها؟
180 مليار يورو
تسيطر تيسلا على سوق السيارات الكهربائية العالمي دون أي منافس، أما جميع الشركات الأخرى هي كطفل يخطو خطواته الأولى أمام الشركة الأمريكية! في الحقيقة، وبحسب موقع Companies Market Cap، فإن القيمة السوقية لتيسلا تتخطى القيمة السوقية للسيارات الألمانية مجتمعة! ولكن هل ستأتي رياح التغيير مع الـ 180 مليار يورو من فولكس فاغن؟ بحسب استراتيجية VW يجب أن تعمل 70% من جميع سيارات فولكس فاجن المباعة في أوروبا بالطاقة الكهربائية بحلول 2030. ذلك يعني مضاعفة حصة السيارات الكهربائية للشركة بنسبة 35%. كما أنها ترغب بإعادة سيارة الشعب الألمانية إلى المنافسة بالسوق العالمية. لتحقيق ذلك، سيتم توجيه ثلثي مبلغ الاستثمار إلى قطاعي البرمجة والسيارات الكهربائية.
لماذا كندا؟
لزيادة إنتاج السيارات الكهربائية، ستفتح فولكس فاجن أول مصنع لها للبطاريات الكهربائية خارج أوروبا في كندا. ولكن لماذا كندا؟ أحد أهم الأسباب أنها تمتلك كمية هائلة من احتياطي الليثيوم، النيكل والكوبالت. وهي من أهم المعادن اللازمة لصناعة البطاريات. ربما يفسر ذلك محاولات كندا لاستقطاب شركات السيارات. تظهر الإحصائيات مبيعات الشركات الألمانية وحصصها السوقية مقارنة بتيسلا في كل من ألمانيا وأميركا. لعل ذلك هو السبب الآخر والأهم لاختيار كندا، حيث سيتيح المصنع لفولكس فاجن زيادة المبيعات في أميركا الشمالية والجنوبية.
سيارة الشعب بأقل من 25 ألف يورو
ضمن خطتها، ستقوم الشركة الألمانية بالقيام بخطوة استباقية لم تقم بها أي الشركات الأمريكية المصنعة للسيارات الكهربائية! كون فولكس فاجن هي “سيارة الشعب”، تخطط الشركة لطرح سيارتها الكهربائية الأرخص في الأسواق. بحسب ما أعلنت الشركة فإن سعر المركبة الجديدة لن يتجاوز 25 ألف يورو. للمقارنة يتجاوز سعر أرخص سيارة تيسلا 43 ألف يورو. من ضمن الاستراتيجية أيضاً تطوير تكنولوجيا القيادة الذاتية للسيارات. ما زالت التيكنولوجيا في بداياتها وهي بحاجة إلى بنية تحتية تتيح للسيارات قيادة نفسها بسلاسة ودون مشاكل! ربما قد نشاهد العديد من هذه السيارات بالمستقبل القريب. حتماً سيكون من المريح استمتاعنا بكتاب ما أو حتى أخذ قيلولة على الطريق. ولكن الرابح الأكبر من تطوير هذه التكنولوجيا هو الشركات التي ستعتمد عليها مستقبلاً لتخفيف المصاريف بشكل كبير.
هل ألمانيا مستعدة؟
في ألمانيا يستمر النقاش حول السيارات الكهربائية منذ سنوات. خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمواضيع حماية المناخ وخفض الانبعاثات واعتماد الطاقة النظيفة. لعل أبرز ما يدور في الساحة الألمانية هو الاستفتاء حول حيادية المناخ بالعاصمة برلين. ولكن هل ألمانيا مستعدة لهذا التغيير؟ بحسب آخر الإحصائيات، هناك حوالي 850 ألف سيارة كهربائية في ألمانيا، ويبلغ عدد نقاط الشحن حوالي 76 ألفاً. وبحسب الخريطة التفاعلية للحكومة الاتحادية، تمتلك ولاية ماكلينبورغ فوربومان أقل من 500 نقطة شحن، في حين تمتلك بافاريا قرابة التسعة آلاف! وفقاً لرغبة الحكومة الاتحادية، يجب أن يتجاوز عدد المركبات الكهربائية في ألمانيا العشر ملايين مركبة بحلول 2030. كما يجب بناء 300 ألف نقطة شحن بحسب ما ذكرت صحيفة شبيجل. ولكن مع بيروقراطية ألمانيا لا يبدو ذلك منطقياً!
تساؤلات للمستقبل
أخيراً هناك بعض الأسئلة التي تطرح نفسها. هل حقاً تصنيع ملايين السيارات الجديدة التي تعمل على الكهرباء أفضل من تحويل السيارات الموجودة حالياً إلى سيارات كهربائية؟ هل يعتبر استخراج الليثيوم والكوبالت وغيرها من المعادن لصناعة البطاريات، ثم صناعة السيارات بشكل عام محايداً مناخياً؟ ربما تكمن المشكلة بالسلوك الاستهلاكي للسيارات بشكل عام المتركز حول اقتناء السيارة عوضاً عن مشاركتها. قد يكون من الأجدر، من وجهة نظر شخصية بحتة، استثمار هذه الأرقام الفلكية بتطوير المواصلات العامة من قطارات وحافلات وعربات الأسلاك وغيرها. من يعيش في برلين يدرك تماماً أن قيادة السيارة أمر متعب ومرهق نفسياً بسبب نقص مواقف السيارات والازدحام الخانق.