تحتاج ألمانيا كغيرها من الدول إلى عدد من المهن دون غيرها لتحريك عجلة الاقتصاد لديها، فبجانب الأُطُر العليا من مهندسين وأطباء في كافة المجالات، يوجد أيضاً الكثير من الفرص المتاحة للمهنيين داخل سوق العمل الألماني.
فمنذ آذار/ مارس 2020، يسري في ألمانيا قانون هجرة العمالة الماهرة والمتخصصة، الذي يُسهّل على الأجانب من خارج بلدان الاتحاد الأوروبي (من حملة التأهيل المهني) عملية الدخول إلى سوق العمل الألمانية، إضافةً إلى أبناء الجاليات المهاجرة، الذين لجؤوا إلى ألمانيا منذ بضع سنين، وأنهوا دراستهم الثانوية فيها. وهذا ما يدعونا اليوم إلى ضرورة تسليط الضوء على واقع مدارس التدريب المهني في ألمانيا.
كيف تبدو سوق العمل الألمانية؟
يوجد الكثير من الرجال والنساء المتخصصين والمؤهلين في سوق العمل الألمانية، إضافةً إلى تمتُّع العمالة الأجنبية بفرص جيدة في بعض المهن المطلوبة بشكل خاص. وبحسب إحدى الدراسات التي أجريت عام 2019، تبيّن مدى حاجة ألمانيا الكبيرة لمهنيين مهاجرين من بلدان غير أوروبية، وأنها ستكون حتى عام 2060 بحاجة إلى الهجرة الوافدة بواقع 260 ألف شخص سنوياً على الأقل! ولكن.. ماذا عن واقع أبنائنا الحالي في هذا المجال؟
ألمانيا بلد الفرص بامتياز!
التقينا الاستشارية في منظمة (StadRand gGmbH) ساندي البحري، والتي أفادتنا بمجموعةٍ من المعلومات: “نعمل على توجيه الشباب الراغبين بالالتحاق بالمدارس المهنية هنا في برلين، ونساعدهم على تحديد ما يناسبهم وفق مؤهلاتهم الدراسية. ألمانيا تعاني من نسبة شباب منخفضة لا تتعدى 10.3% من السكان، بينما ترتفع معدلات الشيخوخة إلى 18% من السكان، ما يجعل تغطية الحاجيات من اليد العاملة مشكلة حقيقية تواجه الاقتصاد الألماني، وهنا يأتي دورنا في التوجيه والمساعدة قدر الإمكان”.
وأضافت البحري: “لكن ألمانيا بلد الفرص بامتياز، حيث أن هذه البرامج الدراسية المزدوجة- أوسبيلدونغ (ausbildung)- تجذب بشدة فئة الشباب الذين لا يملكون في البداية أي فكرة عما سيفعلونه بحياتهم المهنية بعد التخرج من المدرسة أو بعد القدوم إلى ألمانيا، بالإضافة إلى أنها توفر لهم فيما بعد مبلغاً مالياً بصفة شهرية عن جهودهم أثناء العمل التطبيقي الذي يزاولونه في إحدى الشركات، وهذا يساعدهم على تغطية تكلفة المعيشة الخاصة بهم”.
وللعلم، فإن وكالة العمل الاتحادية (Bundesagentur für Arbeit) في ألمانيا تتيح الفرص اللازمة لتدريب الطلاب، وتقدّم دورات مجانية في كل الاختصاصات، من أجل احتراف المهن المناسبة وتطوير الذات. يمكن الاطلاع على المزيد من المعلومات بالضغط هنا.
وشهد شاهدٌ من طلّابها!
الطالب خالد. ع/ من سوريا، يحكي لنا عن تجربته: “سجّلت منذ سنتين بمدرسة مهنية هنا في برلين، ولم يبق إلا القليل على تخرجي، لكي أبدأ مسيرتي العملية في مجال Fachinformatik. إن مدارس Ausbildung هنا أو (Azubi) كما يسميها بعض الألمان، تشبه إلى حد ما مصطلح المعهد المتوسط أو الثانوية الصناعية في بلدي سوريا، لكن الفرق بينهما شاسع، لأن الطالب هنا يقوم بالدراسة والعمل في نفس الوقت، ووقت العمل هنا أكثر من الدراسة، بحيث يكون 70% من فترة التدريب في مكان العمل، و30% بالمدرسة المهنية. أنا سعيد جداً بما حققت ومستعد للعمل قريباً في إحدى الشركات المتخصصة في مجال دراستي”.
الإيجابيات أكثر من السلبيات!
أما الطالبة تالة. ز/ من فلسطين، فتقول: “حققت هدفي بالتسجيل في المدرسة المهنية التي تؤهلني للعمل بالمجال الذي أحب (büromanagement)، فبعد طول انتظار بسبب ظروف جائحة كورونا، وإغلاق العديد من مراكز القبول المدرسي، بدأ دوامي الفعلي منذ شهر تقريباً، وأنا متحمسة جداً للخروج إلى سوق العمل هنا في برلين”. وتتابع تالة: “أريد أن أتحدث عن بعض السلبيات التي لاحظتها في هذا المجال، فهناك انخفاض بالراتب الشهري أثناء التدريب بالنسبة للبعض، مقارنةً مع الرواتب بعد الانتهاء منه، فقد يكون هذا المبلغ غير كافٍ للمعيشة، ويزداد عبء الطالب عندما يكون مضطراً للدراسة والعمل لساعات طويلة، ولكني أرى على أية حال أن إيجابيات الدراسة المهنية في ألمانيا تفوق السلبيات بكثير”.
جودة مرتفعة ومؤهِلة للنجاح المستقبلي!
يُعتبر التدريب المهني في ألمانيا، طريقاً يسلكه الأشخاص الحاصلين على الشهادة الثانوية، والراغبين ببدء حياتهم المهنية بشكل مباشر، بعيداً عن الالتحاق بأنظمة التعليم العالي، لأنه يحظى بجودة مرتفعة، ويتميز بمزيج من التطبيقات المتكاملة النظرية والعملية في بيئة عمل حقيقية، ما يؤهل الشخص للنجاح بمسيرته المهنية، سواء داخل ألمانيا أو خارجها.
- إعداد وتقرير: خلود فاخرة
- Image by Terje Ansgar Eriksen from Pixabay