Photo by Brooke Cagle on Unsplash
20/07/2022

فنجان كابوتشينو بأربعة يورو! لماذا؟

التضخم وغلاء الأسعار هو حديث الموسم! يكاد لا يمر يوم واحد دون أخبار عن غلاء أسعار المواد الغذائية، والبنزين والكهرباء وغيرها. وعلى الرغم أن التقارير تقول إن نسبة التضخم قد بلغت 7.6% في ألمانيا، إلا أن فنجان القهوة له قول آخر! منذ سنوات قليلة كان فنجان القهوة في الكافيات والمخابز يتراوح بين يورو ويورو ونصف حسب خبرتي الشخصية. الآن قد يصل سعره إلى 4 يورو! لا يقع اللوم هنا على كورونا والتضخم الناتج عن الحرب الروسية الأوكرانية فقط، فهناك عامل آخر يطلق عليه الجينتريفيكيشن – Gentrification. وإذا ما تمت رجمته حرفياً فيعني التحسين!

مقاهي الأغنياء

في الآونة الأخيرة، وبسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، نرى الكثير من المتاجر والمحلات الصغيرة تغلق أبوابها لعدم قدرتها على تحمل النفقات في نويكولن على وجه الخصوص. في ذات الوقت هناك، العديد من المحلات والمطاعم والمقاهي الجديدة. قررت تجربة إحدى المقاهي بالقرب من القنال، طلبت فنجان كابوتشينو فسألني البائع بابتسامة لطيف أي حليب أفضل؟ فهناك حليب اللوز وحليب الشوفان وحليب الكاجو وغيرهم من الأنواع! سألت إن كان هناك حليب بقر عادي فأجابني بامتعاض “نعم”! كم ثمنه؟ 3.80 يورو لو سمحت! كان أول سؤال يراودني: من يدفع أربعة يورو لفنجان كابوتشينو؟! مع ذلك أردت التجربة، فقلت له ما من مشكلة وأعطيته خمسة يورو، ليقول لي: “عفواً لا نقبل الكاش هنا، الدفع بالبطاقة فقط”

تغيير ديموغرافي

يسكن في نويكولن أكثر من 300 ألف إنسان، وهو أكثر من عدد سكان مدينة بون أو كيل وضعف عدد سكان مدينة هايدلبيرغ! وهي بدون شك أكثر مناطق برلين تنوعاً وأكثرها فقراً. يأتي الكثير من سكان المنطقة من المجتمعات المستضعفة والتي تضم أكبر عدد من المهاجرين في المدينة. وقد يكونون أقل وعياً بحقوقهم القانونية وبالتالي يسهل ترهيبهم من قبل الملاك وسلطات الإسكان. ولكن يبدو أن ديموغرافية الحي في تغير مستمر، فهناك العديد من صالات الفن المعاصر التي تقتحم الشوارع الفقيرة والمطاعم والبارات والمقاهي صاحبة التقييم العالي على الانترنت. بالإضافة إلى نوادي الرقص والحياة الليلة. كل ذلك يجذب فئة جديدة من الناس إلى المنطقة من الفنانين والطلاب من مختلف أنحاء أوروبا وأميركا. وكل ذلك من شأنه أن يرفع من قيمة المنطقة دون أن يستفاد السكان من هذا الارتفاع!

التغيير أمر حتمي

التغيير في المدن والأحياء والمجتمعات هو أمر حتمي بالطبع. ولكن ما يسمى “بالتحسين” قد ينطوي على عواقب وخيمة. يحصل الأمر عادة عندما تتعرض بعض الأحياء لتدفق رأس المال والسلع والخدمات التي لم تكن موجودة فيها من قبل. قد يكون من شأن ذلك تحسين حياة سكان المنطقة من خلال خلق المزيد من التنمية والاستثمار ودعم المشاريع وتحسين البنية التحتية وغيرها. ولكن ما يحدث عادة هو عكس ذلك! فيقوم السكان الجدد -وهم الأكثر ثراءً- بزيادة تخصيص الموارد للمدارس والمتاجر وغيرها من التنمية ويصبح السكان الأصليين مجبرين على مغادرة الحي بسبب الزيادة الهائلة في أسعار العقارات والإيجارات أو الإكراه أو الاستحواذ. عادة ما يؤدي “التحسين” إلى آثار سلبية مثل النزوح القسري وزيادة التمييز من قبل الأشخاص في السلطة أو الأكثر ثراءً ضد الأشخاص ذوي الدخل المنخفض أو أصحاب الخلفيات المهاجرة

لا لغووغل!

قبل عدة أعوام في 2016 أعلنت شركة غووغل عن نيتها بفتح مقر لها في حي كرويتسبرغ. لكن مخططات غووغل أثارت غضب النشطاء المحليين وسكان المنطقة الذين كانت لديهم مخاوف بشأن التحسين وارتفاع الإيجارات. بالإضافة لقضايا تتعلق بمعادة غووغل بسبب قضايا تتعلق بالضرائب والخصوصية. وبعد أشهر من الاحتجاجات قررت الشركة إلغاء المخطط.

سيف ذو حدين

بالعودة إلى فنجان القهوة، ومن وجهة نظر شخصية، اعتقد أن الجينتريفيكيشن أو التحسين هو سيف ذو حدين. فمن الجيد استقدام رؤوس الأموال وتسهيل الاستثمار ودعم المشاريع وبالتالي صيانة المباني وتنظيف الحي وتحسين البنية التحتية. ولكن دون أن يتم ذلك من خلال رفع الأسعار وإجبار سكان المنطقة على المغادرة واستبدالهم بفئة غنية. في النهاية لم يختلف مذاق القهوة ذات ال 4 يورو عن قهوة اليورو واحد!