Freunde des Snacks e.V via Unsplash
18/06/2022

الاستيلاء الثقافي ما بين التسريحات الإفريقية والحمص!

منذ قدومي إلى ألمانيا تصادفني العديد من المصطلحات الجديدة في سياق الصوابية السياسية، التي لم أسمع عنها من قبل أو كان لدي فكرة بسيطة جداً حولها. مع نهاية شهر مارس، وأثناء التحضيرات لمظاهرة “الجمعة من أجل المستقبل”، كان من المفترض أن تشارك الفنانة رونيا مالتزان وتقدم موسيقاها. ولكن المنظمين قاموا بإلغاء الدعوة للفنانة بسبب شعرها، واتهامها ب “الاستيلاء الثقافي”! ماذا يعني ذلك تماماً وهل مارسنا أو مورس علينا الاستيلاء أو الاستحواذ الثقافي مسبقاً؟

الاستيلاء الثقافي وسيلة اضطهاد

لم يكن من السهل إيجاد ترجمة لمصطلح Cultural Appropriation باللغة العربية! بعد بحث مطول، أخبرتني الصديقة والزميلة الصحفية رشا حلوة، أنه يمكن أن نطلق عليه تسمية الاستحواذ أو الاستيلاء الثقافي! فماذا يعني ذلك؟ الاستيلاء الثقافي هو استخدام أشياء أو عناصر من ثقافات مختلفة أو حضارات مختلفة بطريقة تعزز الصور النمطية المرسومة حول أصحاب هذه الثقافة. أو تشارك بالتمييز الممارس ضد أصحاب هذه الثقافة أو الحضارة. أو حتى بطريقة تسخف العناصر، ولا تحترم دلالتها دون التنويه إلى المعنى الأصلي أو الثقافة التي تم استيحاء العمل منها. ويتضمن ذلك استخدام تطريزات اللباس التقليدي لبعض الثقافات في صناعة الموضة، أو الرقصات الشعبية على سبيل المثال. بالعودة إلى منع المغنية رونيا مالتزان من تأدية الحفل الموسيقي في مظاهرة حماية المناخ. كانت المغنية قد صففت شعرها بالطريقة التي يستخدمها الأفارقة، والتي تدل على الاضطهاد أو التمييز الممارس ضدهم. وغالباً ما ينظر الغرب الأبيض إلى هذا النمط بطريقة دونية، ولكن عندما يتم استخدامها من الغربيين والغربيات ينظر إليها كنوع من الحداثة والموضة.

الاستيلاء على ثقافة العرب

بالطبع يعجز العديد من الأشخاص عن إيجاد المشكلة الأخلاقية في ذلك. فما الضير في تصفيف الشعر بطريقة ثقافة أخرى؟ أو استخدام نقوشات قبائل السكان الأصليين من أميركا الجنوبية في صناعة الموضة؟ وكيف من الممكن أن يكون ذلك مسيئاً؟ لتقريب الصورة، هناك العديد من الأمثلة التي مورس فيها الاستحواذ الثقافي من قبل الغرب على الثقافة العربية أو الإسلامية. فمثلاً بإمكاننا الحديث عن الاستغلال المفرط للحمص ومزجه مع العديد من العناصر التي نراها كعرب غير مناسبة كالحمص مع الأفوكادو والحمص مع الشوكولاتة! لعل أكبر مثال على الاستيلاء الثقافي أو تعزيز الصورة النمطية حول العرب هو ما نجده في موسيقى الهيب الهوب. فكثيراً ما يتم استخدام رموز مثل “الأرغيلة” أو عرض نساء يرتدين الخمار أو البرقع بطريقة مثيرة. أو تسمية بعض الأماكن بمسميات لها دلالات دينية كوصف لاس فيغاس كمدينة مكة بالنسبة للمقامرين. عدا عن استخدام النقوش العربية كالكوفية والشماخ في ملابس السباحة. أو تطريزات الملابس التقليدية والشعبية الفلسطينية في دور الأزياء العالمية  دون إشارة إلى أصل ومعاني هذه النقوش. كما شاهدنا مؤخراً ارتداء مشجعي نادي نيوكاسل الثوب الأبيض بعد شراء السعودية لفريق كرة القدم والهتاف بهتافات مسيئة للعرب.

أين يكمن الفرق؟

ولكن أليس من الجيد تداخل الحضارات والثقافات بين بعضها البعض وأليس من المفروض أن يدخل ذلك في إطار الاندماج؟ فالانفتاح على الآخر دائماً ما يؤدي إلى توسعة الآفاق والإبداع. فهناك أنواع موسيقية بكاملها نشأت من حوار موسيقي بين ثقافات مختلفة! ولكن هناك خط رفيع ما بين تبني ثقافة لأخرى ومزج ثقافة مع أخرى وبين الاستيلاء الثقافي. كأساس، بإمكاننا القول أن الفرق يحصل عندما تقوم مجموعة مسيطرة ذات قوة باستخدام رموز من مجموعة أقلية أو مستضعفة ومضطهدة بطريقة تراها الأخيرة استغلالية. من ناحية أخرى، عندما يتم التقدير الثقافي عوضاً عن الاستيلاء من خلال استعارة عناصر من ثقافة أخرى بطريقة محترمة والاهتمام بمشاركة الأفكار والتنويه والإشارة لأصول الأشياء، يؤدي ذلك إلى فهم أعمق للثقافات الأخرى إضافة لتطوير مفاهيم إبداعية تمزج الثقافات مع بعضها البعض. لذلك من المهم جداً قبل تبني حالة أو عنصر ما من ثقافة أخرى القراءة قليلاً حول هذا العنصر لاستخدامه بطريقة محترمة وصحيحة.