حتى الذين التقيناهم كانوا ما زالوا تحت تأثير نشوة إحراز اللقب، ويتداولون أخبارًا مفادها أن عمدة المدينة لم يحتفل بالشكل المناسب، ولم يُـبدِ فرحته بما يليق بالمناسبة. قلت بيني وبين نفسي يبدو أنه بافاري. وحتماً سيترك ذلك أثراً كبيراً على مستقبله السياسي في مدينة تعشق ناديها وتجلّه.
ليس الإنجاز الرياضي هو الأمر الوحيد الذي تفتخر به فرانكفورت، بل تعتز المدينة بابنها الذي يعرفه القاصي والداني يوهان فولفغانغ فون غوته، أو أمير الشعراء الألمان كما يسميه بعضهم، صاحب فاوست، والديوان الشرقي لمؤلفه الغربي، ومناجاة محمد. والذي قال عبارته الشهيرة “لا أكره أن يقال عنّي إنني مسلم“. ففي مسقط رأسه فرانفكورت أم ماين، التي شهدت ولادته في 28 آب/ أغسطس 1749، تجد صوره واسمه في كثير من الأماكن. ففي المدينة جامعة تحمل اسمه، وشارع وساحة. حتى وصل الحال بمقهى فرانكفورتي يقع وسط أحد أسواقها أن يضع حلقة في أنفه، وسماعات وأقراطًـا في أذنيه. لكن للأسف لم يسعفنا الوقت لزيارة منزله الذي يحتوي مكتبته ومقتنياته.
في فرانكفورت لا يقتصر التنوع الذي ينشده المجتمع الألماني الحر على كلمات في بيانات وخطط عمل فقط، بل تلحظ التنوع من خلال المطاعم المتنوعة، التي تنتشر في المدينة، فعلى طريق المطعم الذي تناولنا فيه الصلصة الخضراء مع كأس من عصير التفاح، وطبق من الجبنة مع الموسيقا وهذه هي الأكلات التقليدية في المدينة، لاحظت وجود مطعم يقدم الفول والحمص والفلافل. وفي المنطقة التي تكثر فيها محلات المهاجرين ومطاعمهم، تستمتع بسيخ كباب لبناني، ثم بعدها تتناول بوظة الشرياخ الأفغانية الشهيرة في مطعم كأنه هارب من كابول ليحط على ضفة الماين.
وفي المدينة الماينية الشهيرة، تطالعك وأنت تسير في أزقتها وشوارعها لافتات كثرة تُعبر عن التضامن مع أوكرانيا، وأخرى تدعوك للاحترام، وبين هذه وتلك تُعلق لافتة مكتوب عليها لا مكان للعنصرية. عدا عن باول كيرشه التي احتضنت أهم اجتماع أسس للديمقراطية الألمانية. ولا تغيب عن عين زائر المدينة السمة التي تغلب على تماثيلها، والتي تصوّر رجالاً أشداء، ونساء عاريات. وعندما ناقشت ذلك مع زميلتي يوليا توصلنا إلى أن شيوع الذكورية في زمن نحت هذه التماثيل هو أحد الأسباب وراء ذلك.
وللغة العربية في شوارع فرانكفورت مكانها بين اللغات الأخرى، فعلى إحدى عوارض جسر آيسنير ستيج تقرأ عبارة مأخوذة من أوديسة هوميروس “نُقلع على بحر بلون النبيذ إلى متكلمي اللغات الأخرى“، وكأن المدينة تهمس في أذنك أنت لست غريبًـا هنا. لكن في مكان آخر، وفي محطة للترام وسط المدينة وعلى آلة لبيع التذاكر تقرأ كلمة تذاكر معكوسة، لتشعر وكأن القائمين على شركة النقل استعانوا بترجمة غوغل، حالهم حال كثير من دوائر الدولة الألمانية التي تتعامل مع المهاجرين!