العام الماضي، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً حول العمال الأجانب الذين قضوا نحبهم في قطر خلال عمليات البناء التي شهدتها الإمارة تجهيزاً لاستضافة كأس العالم! في ديسمبر 2010 أعلنت الفيفا عن فوز قطر باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم في 2022. ومنذ ذلك الوقت تقوم قطر بالتجهيز وعمليات البناء لهذا الحدث ضخم. خلال العشر سنوات السابقة قضى أكثر من 6500 عامل من الهند وباكستان ونيبال ونيجيريا وغيرهم نحبهم أثناء عمليات البناء. بالأمس افتتح الفنان محمد بدارنة معرض التصوير الفوتوغرافي “الفريق المنسي” في مركز (عيون) وسط برلين تخليدا وتحية لأرواح هؤلاء العمال..
الفريق المنسي
زار بدارنة قطر عام 2017 للمشاركة بمعرض للتصوير الفوتوغرافي في أحد أفخم فنادق الدوحة. أثناء تواجده بالمدينة، كان من الصعب عدم ملاحظة عمال منشآت كأس العالم. اختلط بدارنة مع العمال، تقرب منهم ودخل إلى عالمهم الخاص وقام بتصوير العديد من الصور التي تظهر ظروف العمل القاسية والأوضاع المعيشية السيئة لهؤلاء. لم تكن هذه المرة الأولى التي يوثق فيها بدرانة الظروف الصعبة التي يعاني منها عمال البناء في كل مكان. قادته علاقته مع العمال وتأثره بهم إلى جنوب آسيا. خلال عدة رحلات إلى نيبال، التقى المصور الفلسطيني بعائلات الضحايا الذين ماتوا خلال أعمال البناء في قطر، وقام بتصويرهم أيضاً. استغرق التحضير لمعرض “الفريق المنسي” عدة سنوات تخللها الكثير من البحث والسفر إلى قطر ونيبال والمخاوف من المخاطر الأمنية المترتبة على تصوير خصوصيات العمال في قطر. فبحسب ما ذكر بدارنة، تحاول الإمارة الخليجية إخفاء أي معلومات حول حياة هؤلاء، وكان من الممكن أن يتعرض للمسائلة أو حتى الحبس!
البناء مهنة محفوفة بالمخاطر
دائماً ما تكون أعمال الإنشاءات محفوفة بالمخاطر، وعمال البناء في كل مكان هم أكثر من يتعرض لإصابات تودي بحياتهم في مكان وأثناء العمل! لا يحصل ذلك في قطر دون غيرها، ففي ألمانيا على سبيل المثال وليس الحصر، وفي ذات الفترة ما بين 2010 و2020 لقي أكثر من 5100 شخص حتفه أثناء العمل! قرابة ثلاثة آلاف منهم قضوا في أعمال البناء والنقل والزراعة! وفي الاتحاد الأوروبي بدوله الـ 27 وفي عام 2019 وحده، لقي أكثر 3400 عامل حتفه بسبب إصابات قاتلة. قرابة 2150 منهم يعملون بمجال البناء والصناعة والنقل!
مقارنة غير عادلة
يقول بدارنة عند سؤاله عن تركيز النشطاء حول الوفيات الحاصلة في قطر، أن الضحايا ليسوا مجرد أرقام وإحصائيات. فهو أمر محزن أن عمال البناء في كل مكان يعملون بظروف غير آمنة وقاسية. يذكر المصور والناشط الإنساني أن الأمور في قطر مختلفة عن واقع العمل. فلا يمكن مقارنة إصابات العمل ما بين دولة واحدة فقط مع 27 أخرى مجتمعين! كما أن طريقة التعامل مع العمال والتمييز الممارس ضدهم غير مقبول. فهم يعيشون في أماكن مهملة بظروف غير إنسانية، حيث تضع الشركات المشغلة 12 عاملاً في غرفة صغيرة لا تصلح للسكن! ويذكر بدارنة أن عمال المنشآت لا يسمح لهم بالاختلاط وممارسة حياتهم بشكل طبيعي حتى بعد انتهاء العمل!
على من يقع الحق؟
بحسب صحيفة الغارديان، “تكمن المشكلة الحقيقية بأن هناك عدد كبير من الوفيات التي لم تُسجل. غالباً ما يُسجل سبب الوفاة على أنه وفاة طبيعية لا علاقة لها بظروف العمل. كالوفاة بسبب أزمة قلبية أثناء العمل أو الجفاف بسبب الحر الشديد، عدا عن حالات الانتحار بسبب الظروف المعيشية السيئة. كما أُرسلت جثث بعض العمال إلى ذويهم في بلادهم دون ذكر أي سبب للوفاة! كما أن الدولة لم تقم بأي تحقيق أو مسائلة حول الوفيات”. ولكن على من تقع المسؤولية هنا؟ على قطر أم الفيفا أم حتى شركات المقاولات المسؤولة عن بناء المنشآت والبنية التحتية المناسبة لهذا الحدث الكبير؟ فهناك عدد كبير من الشركات من أصول أجنبية أيضاً.
أمر عظيم ولكن!
بالنسبة لبدارنة، قانون العمل القطري يحمي الشركات المشغلة من المسائلة للتشجيع على الاستثمار وليس هناك أي عواقب للمعاملة غير الإنسانية لهؤلاء العمال ويُنظر إليهم كأرقام. فقطر تعتبر من أغنى دول العالم والفيفا من أثرى المنظمات أيضاً، ولكن استُغلت حاجة العمال واستقدامهم من دولهم برواتب لا تتجاوز 400 دولار شهرياً! كما أن العديد منهم لم يحصل على أية مستحقات! كان من الجدير وضع قوانين عمل وقواعد أمان وسلامة أفضل للعمال. يقول بدارنة إنه من الرائع أن تستضيف دولة عربية كقطر بطولة كأس العالم، وهو أمر يدعو للاحترام بحق. ولكن البناء والتجهيز لحدث ترفيهي بهذه الضخامة على جثث هؤلاء العمال هو أمر مشين ولا إنساني ويجب أن يتحمل جميع القائمين على هذا الحدث المسؤولية وعلى رأسهم قطر وتحقيق العدالة لهذا الفريق المنسي وذويهم!
قطر مرة أخرى؟
نهاية يقول بدارنة إنه يتمنى زيارة قطر مجدداً ولكن ذلك لن يكون أمراً هيناً. فهو يخشى من تعرضه للاعتقال أو المضايقات على أقل تقدير بسبب أعماله الفنية ونشاطه الإنساني خصوصاً بعد قيامه بهذا المعرض وعلى نفقته الخاصة بدون تمويل أو دعم من أي جهة. يستمر المعرض لغاية السابع من يونيو/ حزيران في مركز عيون على العنوان التالي: Lucy-Lameck-Straße 32, 12049 Berlin
صور من المعرض