أظهر الخطاب الرسمي والإعلامي لدول الاتحاد الأوربي، تجاه الحرب الأوكرانية، وجهاً عنصرياً إقصائياً لم نكن ننتظره! فما أن بدأت الحرب في أوكرانيا، حتى أصبحت سياسة الكيل بمكيالين، العنوان الأبرز للمرحلة.
أبواب الاتحاد الأوروبي التي أُغلقت في وجه اللاجئين الأفغان، بعد سقوط كابول بيد حركة طالبان، فُتحت على مصراعيها لاستقبال الهاربين من أوكرانيا! والحدود البيلاروسية البولندية، التي أوصدت أواخر العام الماضي، في وجه النازحين من الشرق الأوسط وأفريقيا، تكسرت أقفالها أمام الأوكران!
الدانمارك التي تطرد وترحل اللاجئين السوريين منذ العام 2019، ترحب بالهاربين من أوكرانيا، علماً أن كلا الطرفين فروا من ديارهم نتيجة القصف الروسي الهمجي على أراضيهم!
خيار.. وفقوس
إبان الغزو الروسي لأوكرانيا، طبق الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية فورية، على النظام الروسي، بهدف ايقاف العدوان والانسحاب الفوري من أوكرانيا! العقوبات شملت أملاك أشخاص ينتمون لما يسمى “الأوليغارشية الروسية” لعلاقاتهم المقربة بالرئيس بوتين. مثل الحجز على نادي تشيلسي اللندني، الذي يملكه الروسي رومان أبراموفيتش، كما احتجزت السلطات في هامبورغ يخت فاخر، تقدر قيمته ب 600مليون يورو، تعود ملكيته إلى الروسي أليشر عثمانوف لنفس الأسباب.
بينما غض الاتحاد الأوروبي الطرف عن القصف والدمار والخراب والتهجير والمجازر، التي ارتكبها بوتين على مدى إحدى عشرة سنة في سوريا! غض الطرف عن كل الأسلحة المحرمة دولياً، التي اختبرتها روسيا على الأراضي السورية.
لم يصدر قراراً بالحجز على ممتلكات المجرم رفعت الأسد، المتهم بارتكاب مجزرة حماة، التي راح ضحيتها قرابة 40 ألف سوري في أقل من أسبوع! بل على العكس، استقبله هو وأمواله التي سرقها من خزينة الدولة، والتي تقدر بمليارات الدولارات! المجرم ذاته، والجريمة ذاتها، لكن العقاب مختلف، لأن المتضرر مختلف!
لاجئون خمس نجوم
أثناء أزمة تدفق اللاجئين إلى أوروبا عام 2015، شعر الكثير من المقيمين القدامى في ألمانيا، بالغيرة والحنق، من التسهيلات التي قدمتها الحكومة للاجئين السوريين.
آنذاك حصل غالبية السوريين على حق اللجوء في ألمانيا، حتى مع وجود بصمة لجوء في دولة ثانية! بالإضافة إلى الدعم ودورات اللغة وتسهيلات الإندماج التي لم تكن متاحة في السابق. وفي يومنا هذا يشعر الكثير من السوريين بالغيرة من اللاجئين الأوكران. يصفونهم بـ “لاجئون خمس نجوم”! وصلوا بالقطارات والطائرات، ووضعوهم في فنادق فاخرة، استقبلوهم مع حيواناتهم الأليفة!
ولكن كيف لنا أن نغار من مأساة؟ كيف يمكن لإنسان عانى من شي ما، أن يتمنى لغيره أن يعانيه. هل نتمنى لهم قوارب الموت، أو النوم في الغابات أو ثلوج المخيمات. أي جنون هذا بحق السماء!
المشكلة أكبر من سوريا وأوكرانيا
استمرار النظام السوري وروسيا في قتل الشعب السوري، لأكثر من عقد من الزمان، على مرأى ومسمع كل شعوب الأرض، هو أكبر دليل على فشل العالم بأسره على المستوى الإنساني. المشكلة أكبر من سوريا وأوكرانيا! المشكلة أن غالبية البشر استمرأوا الحياة في شريعة الغاب.
الكثير منا يثور وينتفض من أجل قضايا تتعلق بدينه أو عرقه فقط، ولكنه قد لا يحرك ساكناً دون ذلك! مازالت أفعال معظم البشر شعوباً وحكومات، تلغي صوت العقل، وتدعم القوة.
الجلادون والضحايا كلاهما غارق في ذات المستنقع القذر، مستنقع القوة والعنصرية. نحن نعيش في عصر قمة التكنولوجيا والثورة العلمية والرقمية، ولكن على المستوى الإنساني لازلنا عند مستوى A1! وإذا لم نفكر على المدى المنظور بالإنسان كقيمة عليا، بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو دينه، فسندفع جميعنا الثمن!
- مقال لـ أنس حيمور