عام 2015، جاء أبو يارا من سوريا إلى ألمانيا، ليستقر فيها مع أسرته ويعمل بائعا بمحل تجاري في هامبورغ، وتفكيره منصب على أبنائه وهم خارج المنزل، دون أن يعلم مع من وأين يمضون أوقاتهم، وابنته دائما ما تطلب منه المال، وتغادر مع صديقاتها للتسوق بمفردهن، وهي فكرة صعبة على رجل شرقي، ليصبح أبو يارا من القلائل الذين شعروا بالامتنان لانتشار كورونا وقيود الحجر المنزلي التي فرضها! فقد أعاد ضبط المنزل ولم العائلة، بالطريقة المفضلة لرجل شرقي.
أعطني حريتي أطلق يديا!
لكن ماريون، له نظرته المختلفة تماما للحجر المنزلي المفروض بسبب الفيروس، فالبقاء بالمنزل والعمل منه، والتواجد الدائم لأفراد الأسرة تحت ذات السقف، سبب خلافات بين الجيران الذين لم يعتادوا الضجة التي يحدثها أطفال جيرانهم، بل حتى ضجة أطفالهم التي تمنعهم من التركيز على عملهم، وقد يتطور الأمر إلى شجار عائلي، خاصة في مجتمع يقدس الخصوصية التي يحد منها التواجد المستمر لأفراد الأسرة أمام بعضهم البعض.
كورونا بين التقاليد الشرقية والغربية!
أبو يارا شعر بالطمأنينة والاستقرار لقربه من أولاده، وبقائهم تحت نظره بشكل دائم، وشعر بالارتياح لأنه أصبح يعمل من منزله، وغير مضطر للسفر بين مدينة وأخرى لأسباب خاصة بعمله، وزال عنه التوتر الذي تخلقه مواعيد العمل، وهو بهذا لم يستطع تجاوز ثقافته الاجتماعية السورية، والسنوات التي قضاها في ألمانيا لم تنجح بتحريره من مشاعر الأب الشرقي القلق على ابنته من الاختلاط خارج رادار رقابته الأبوية، لدرجة أنه تغاضى عن الآثار الاقتصادية الكارثية لانتشار الوباء، وما سببه من عزلة عن الأصدقاء والزملاء، مقابل ما وفره له من جو عائلي.. “هذه التجارب الإيجابية لم تكن لتحدث في حياتي لولا كورونا”، قال أبو يارا.
بالمقابل، فإن ماريون، منزعج لاضطراره العمل من المنزل، لأنه – كألماني – يفضل الحركة والسفر والنشاط الدائم، وأيضا يؤمن بالخصوصية الفردية كقيمة مقدسة، لا تحتمل الحد منها أو انتهاكها بالبقاء الدائم في المنزل.
“أصبحنا نقضي وقتاً أكثر سوياً كأسرة واقتربنا من بعض أكثر من أي وقت مضى. لا مواعيد، لا واجبات، شغلنا الأساسي أصبح، ماذا سنفعل اليوم في البيت وكيف نقضي وقتاً جميلاً سويا”.. هكذا قالت أم حسان القادمة من العراق قبل عشر سنوات، لم تسطع هذه السنوات الطويلة أن تقرب نظرتها من نظرة ماريون، فقد كانت أقرب لأبي يارا، لأن العراق مرتبطة جغرافيا وثقافيا من جارته الشرقية سوريا.
عفوًا رمضان.. كورونا أيضًا يجمعنا!
بسعادة واضحة قالت أم حسان: “ليس فقط رمضان من يجمعنا، كورونا أيضا يجمعنا”! مستدعية شعار قناة عربية شهيرة “رمضان يجمعنا”، فهي تحب الجو العائلي الذي قربها أكثر من زوجها دائم الغياب عن المنزل بسبب عمله، لتتعرف عليه أكثر بعمق خلال بقائه في المنزل، ومساعدته أطفاله على أداء تكاليفهم المدرسية وحل مشاكلهم أيضا، بينما تستمتع بإعداد الأكلات الشهية والقراءة وممارسة الرياضة، بفضل الوقت الفائض الذي وفره الحجر المنزلي.. “عادت الروح للبيت”، علقت أم حسان، وكأنها تشكر الفيروس الذي أرعب العالم!
العزوبية هانت عليا!
رغم هذه الفوارق بين الأفراد المتزوجين من الألمان والعرب المقيمين بألمانيا، فقد ارتفعت نسبة الزواج في ألمانيا خلال انتشار كوفيد 19، بعد تراجع الإقبال عليه لسنوات. وأثناء حديث عابر مع أحد موظفي بلدية هامبورغ، فسر ارتفاع معدلات الإقبال على الزواج خلال فترة كورونا بأن المرء يشعر أنه وحيد عند الشدة. وقد شعر العزاب أنهم وحدهم بين أربعة جدران، خاصة مع قواعد كورونا الصارمة والتباعد الاجتماعي بالأماكن العامة التي عززت كثيرا الشعور بالوحدة.
رغم الاختلافات بالخصائص الاجتماعية والأسرية، وبناءً على اختلاف الموقف اتجاه الحجر المنزلي، فقد أثبتت جائحة كورونا أيضا أهمية الزواج والعائلة من جديد، كغريزة بشرية تتجاوز حدود الجغرافيا وموروث الثقافات حول العالم.
- سماح الشغدري
شاعرة وصحفية من اليمن