Foto: Thomas Fähnrich
27/10/2021

لا شيء اسمه ربما!

منذ أربع سنوات أخذتنا معلمتنا إلى مدينة كولن أنا وعدة تلاميذ من خلفيات مهاجرة وكانت المفاجأة في إحدى صالات ملعب كولن لكرة القدم حيث استقبلتنا المستشارة انجيلا ميركل بابتسامتها المعهودة وقدمت لنا الحلويات وناقشتنا في أفكارنا الصغيرة والتقطت معنا الصور التذكارية، وعندما عدت إلى البيت أخبرت أهلي بأننا التقينا السيدة ميركل وقالوا لي أنت محظوظة ربما تكونين سياسية ذات يوم، قلت لهم ولماذا ربما؟ سأكون حتما!

ألم الإنسان!

رغم أن البنات من جيلي كل اهتمامهن يتركز على الموضة والموسيقى الصاخبة والألعاب والتطبيقات الترفيهية الرقمية، كـ تيك توك وغيره، إلا أنني اخترت الانخراط في عالم السياسة! فالآلام التي يعيشها الإنسان في وطني ليبيا وبكل أنحاء العالم، جعلتني أركز على السياسة لعلني أنجح في تخفيف المعاناة. ولا أنكر حبي للموسيقى خاصة موسيقى حقبة التسعينيات أو بالملابس التقليدية التي أحرص على ارتدائها دائما، إلا أن ألم الإنسان وصراخه يجعلني ألتفت إليه أكثر من نفسي!

السياسة في كل مكان!

مهجة الأصفر

وحول اهتمامي بالجانب السياسي في حياتنا فهذا أمر طبيعي، فالسياسة تحيط بنا من كل جانب، تفرض نفسها علينا شئنا أم أبينا، في التلفزيون سياسة، في الشوارع ملصقات سياسية، وأي مشكلة تحدث، يجتمع الساسة ويصدرون قرارات نلتزم بتنفيذها، أنا اخترت أن أنشط في المجال السياسي لأني أحب الحوار مع الآخر، وتبادل وجهات النظر معه، كذلك لي اهتمامات بعدة قضايا، كقضايا الطفولة والهجرة والاندماج ومناهضة التطرف وغيرها، وهذه القضايا لا يمكني أن أناقشها إلا في وسط سياسي. كل صباح أتابع نشرات الأخبار وفي المساء أتابع برامج حوارية يتم فيها استضافة ساسة فأستفيد من حواراتهم، ودائما حريصة على متابعة الأحداث السياسية الكبرى كالانتخابات الأمريكية ومهزلة اقتحام البرلمان من قبل أنصار ترامب وأخيرا الفيضانات في ولاية شمال الراين حيث ساهمنا في دعم المتضررين عدة مرات بوجبات غذائية أعددتها مع أمي في البيت، كذلك تابعت سيطرة طالبان على أفغانستان بمباركة أمريكية وما صاحبها من أحداث كارثية، كسقوط لاجئين أفغان تعلقوا بعجلات الطائرة ولقوا حتفهم!

ميركل القدوة

لكن الحدث الأكبر الذي يؤرقني حاليا، هو رحيل المستشارة أنجيلا ميركل عن السلطة، وماذا سيكون حال ألمانيا والعالم بعدها، لقد رحلت الحكمة والكاريزما وحسن التدبير، أشعر بالحزن على رحيلها فعلا، لكن اعتبره رحيل من الباب الواسع، فهي لم تهزم في الانتخابات أو تجبر على تقديم استقالتها بسبب فشل في برنامجها السياسي، ستغادر بعد أن وضعت ألمانيا في قمة الدول العالمية اقتصاديا واجتماعيا، ولن ينسى لها التاريخ وقفتها الإنسانية مع اللاجئين وحمايتهم واستقبالهم وإنقاذهم من الموت الذي يطاردهم إن بقوا في أوطانهم، لقد جعلت ألمانيا وطنا لكل الإنسانية.

عائلة كبيرة

وبالطبع لا يمكني أن أمارس السياسة هكذا، فلابد من الانخراط في جمعية أو حزب، وقد اخترت أن انخرط في حزب CDU لأنه حزب محافظ  وبرامجه السياسية قريبة من القضايا التي أهتم بها، بالإضافة إلى أنه حزب المستشارة ميركل التي اعتبرها مثلي الأعلى. اتصلت بهم هاتفيًا وطلبت مع المسؤول في مدينة بون موعدا، وتم استقبالي في المقر وبعد نقاش دام ساعتين اقتنعوا بجديتي وحبي للعمل السياسي، فوافقوا على قبولي وملأت الأوراق المطلوبة ودفعت الرسوم الشهرية لأصبح عضو ناشط في الحزب، والطريف قبل أن أغادر مقر الحزب عرضت عليهم صورتي مع المستشارة ميركل فشعروا بالدهشة والإعجاب وحيوني بابتسامات واسعة.

بعد يومين دعوني لحضور جلسة تعارف مع أعضاء جدد في إحدى الكافتيريات على نهر الراين، وكانت جلسة جميلة حضرها عدة مرشحين  لانتخابات يوم 26 سبتمبر الماضي، منهم السيد كريستوف يانسن، وتناقشنا لمدة 3 ساعات في كثير من القضايا التي تهم الحزب والسياسة بشكل عام، وتبادلنا أرقام الهواتف ليزداد التواصل أكثر، حقيقة هذا الحزب لم يخيب ظني شعرت معهم وكأنني وسط عائلتي.

اقتراحات وأفكار

بدأت أعمل معهم أحضر الاجتماعات وأشارك في شرح أفكار الحزب في الساحات العامة واستقطاب المناصرين وتوزيع النشرات على من يرغب من المارة وشعرت براحة كبيرة لأني وجدت مكانا يحتضن أفكاري ويناقشني فيها ويوضح لي مزاياها وعيوبها، وبذلك أستطيع التطور والنضج وكسب الخبرة التي ستمكنني يوما ما من ترشيح نفسي في لجان الحزب.

مازلت جديدة في الحزب وأحاول حاليا أن أقدم عدة مقترحات تتعلق باندماج المهاجرين في المجتمع الألماني، مع الاحتفاظ بهوياتهم الثقافية، وحاولت أن ألفت نظر المرشحين الألمان في الانتخابات الاتحادية الأخيرة، لكي يهتموا بهؤلاء المهاجرين الذين صاروا ألمانا ويحق لهم الانتخاب، وبأن يضمنّوا في خطاباتهم وبرامجهم وملصقاتهم الدعائية مواضيع تخص وتخاطب هذه الشريحة التي بدأت تكبر وستكون أصواتها مهمة ومؤثرة مستقبلا، أي لابد أن يشعر هؤلاء بأنهم ألمان فعلا وليسوا مهمشين! لابد من مساعدتهم للانخراط في سوق العمل ودخول طلابهم للجامعات والمعاهد العليا، والدفاع عنهم ضد اليمين المتطرف الذي يستهدفهم.

كذلك أحاول أن أعد برنامج خاص بالأطفال وما يتعرضون له من تنمر وانتهاكات داخل الأسرة أو المدرسة، واقتراح حلول تحمي هؤلاء الأطفال كي يعيشوا حياة طبيعية ولا يتأثر مستقبلهم بأي عقد نتيجة تلك الانتهاكات.

سر الابتسامة!

وأحب أن ألفت النظر لأهمية القراءة منذ الصغر وجعلها طقس يومي، وعموما أنا مازلت في البداية وتركيزي كان بمساعدة الحزب على إنجاح برامجه الانتخابية والوقوف مع لجانه في الساحات وشرح أفكاره للجمهور حسب امكانياتي حول ملفات الاقتصاد والضرائب والبيئة والتطور التكنولوجي والتعليم، وكذلك الحديث عن ملف الصحة وخاصة تطعيمات كورونا وضرورة تلقيها لحماية كل المجتمع. هم سمحوا لي أن أشرح ذلك خاصة للألمان من خلفية مهاجرة، وكذلك العرب. وساعدني في ذلك أنني أتكلم العربية والألمانية والكورية! لكن لغتي الأساسية في التواصل مع الآخر هي الابتسامة..

  • مهجة الأصفر- بون