لا يكاد يمر أسبوع إلا وتطالعنا الصحف الألمانية عامة، والبرلينية خاصة بخبر سطو، أو جريمة قتل، أو مشاجرة، منسوب للعشائر العربية! التي تعتبر أحد المواضيع الساخنة في برلين. مما جعل الكثيرين يتداولون الشائعات حول أفراد العشائر العربية، ويعقدون ندوات نقاشية ودراسات بخصوصها. بل كان لها نصيب في الدراما الألمانية، كمسلسلي “فور بلوكس”، “وكلاب برلين”. الأمر الذي دعا الباحث محمود جرابعة من مركز إرلانغن للإسلام والقانون في أوروبا لكتابة دراسة، حلل فيها مدى صحة هذه الشائعات المرتبطة بالعشائر!
تهميش وإقصاء
أشار الجرابعة في دراسته إلى أن هذه العائلات التي يطلق عليها اسم “العشائر” لها تاريخ طويل من التهميش والإقصاء. سواء في بلدانهم الأصلية أو في البلدان التي لجأوا إليها، وكذلك في ألمانيا. ويكتب الجرابعة عن أسباب هذا التمييز الذي بدأ فعلياً في بلدهم الأصلي جنوب شرق تركيا، والذي تسبب بفرارهم إلى لبنان، وهناك أيضاً تم تهميشهم “لم يُسمح لهم بالتصويت، ولم يكن لديهم حق الحصول على التعليم أو أي مزايا اجتماعية”. وبعد فرارهم الثاني إلى ألمانيا، رفضت السلطات منحهم اللجوء، ولم تتعامل معهم بتسامح! وقد ترافق ذلك مع تمييز واسع النطاق، استمر في بعض الحالات حتى يومنا هذا. فهناك أفراد منهم “لا يمكنهم السفر بحرية، ولا يمكنهم تسجيل زواجهم، ولديهم فرص عمل وتدريب محدودة وفي بعض الحالات لا يسمح لهم بفتح حساب مصرفي”!
أفراد العشائر غير متوافقين
قراءة المقالات في وسائل الإعلام الألمانية، تعطي انطباعاً بأن جميع أعضاء ما يُسمى بالعشائر متساوون، وبالتالي، هذا يعني ضمنياً، كلهم مجرمون أو على الأقل لديهم ميول إجرامية! لكن الجرابعة في دراسته ناقض هذين الحكمين. يقول: “العائلات الممتدة ليست متجانسة بأي حال تحت قيادة زعيم العشيرة، بل على العكس من ذلك هناك خلافات وانقسامات بالرأي بين أفراد العائلة”! ويضيف الجرابعة في دراسته التي أجرى فيها أبحاثاً وسط بيئة العائلات الكبيرة العربية والتركية والكردية لعدة سنوات. ورافق وأجرى مقابلات مع أفراد من هذه العائلات: “فقط عدد قليل من أفراد الأسر الكبيرة هم من المجرمين. لكن هذا العدد القليل هو الذي يحظى بالكثير من الاهتمام الاعلامي والسياسي”. وبحسب الدراسة فإن الادعاء بأن غالبية أفراد العائلات الكبيرة مجرمون غير مدعوم بإحصاءات، ولا يوجد أي دليل آخر على صحته.
نقد داخلي وعدم رضا
وتقول الدراسة: “أدى تقسيم العائلة الكبيرة بمرور الوقت إلى تراجع الولاء للعائلة”! وأظهرت العديد من المقابلات التي أجراها الباحث الجرابعة مع أفراد من العائلات الكبيرة. أن أفراد من الجيل الجديد يهتمون أكثر بأسرهم الصغيرة. وتعليمهم، وعملهم، ومصالحهم الشخصية أكثر من اهتمامهم بالعائلة الكبيرة، وشبكاتها الاجتماعية. ويقول الجرابعة إنه خلال بحثه لم يجد أي مؤشرات تدل على أن العائلات الكبيرة نفسها تنظم أو تدعم الأنشطة الإجرامية. بل هناك الكثير من (النقد الداخلي الذاتي) لأفراد الأسرة الذين يرتكبون جرائم جنائية.
عواقب الأحكام المسبقة
إطلاق حكم أن جميع الأفراد ممن ينتمون للعشائر مجرمين، هو حكم لا يخلو من عواقب على المتضررين. فبحسب دراسة الجرابعة: “يشعر أفراد العائلات الكبيرة، أنهم يعاملون بشكل غير عادل؛ لأن هناك من يحاسبهم عن سوء سلوك مجموعة صغيرة من أفراد عائلتهم، ويعاقبهم بالتمييز ضدهم في الحياة اليومية، وبالمدرسة وسوق العمل والإسكان”!
- Image by Ali Senpinar from Pixabay