“هذه القطع تعيدني إلى سوريا، أحب كثيراً أن تبقى ذاكرتي مليئة بكل التفاصيل التي عشتها هناك”! هذه العبارة المُعلّقة على جدار معرض “من.. إلى.. زركشات تراثية” في مجمع دالم للأبحاث جنوب برلين، تختزل ما كنت أفكّر به، حين عَرض عليّ صديقي المخرج المسرحي أنيس حمدون مرافقته لزيارة المعرض. قلت لنفسي، قد أجد فيه ما يسد رمق حنيني إلى بلدي سوريا، وينعش ذاكرتي، التي هي زادي في الغربة، حيث يبقيني على قيد الحياة.
معرض يفتح أبواب الذاكرة
عندما دخلت قاعة العرض، للوهلة الأولى خطر ببالي المثل الشعبي القائل “المكتوب مبين من عنوانه”، ففي القاعة لا توجد إلا بعض القطع القليلة، وصور فوتوغرافية معلّقة على أحد الجدران، وشاشتان تعرضان فيلمين قصيرين من إخراج أنيس حمدون. وبعض الكتابات على أرض القاعة، وأرقام موزعة عشوائيًا على الجدران. وملصقات تعريفية عن المعرض!
لكن أثناء تجوالي في المعرض، بدأتْ تضمحل النظرة الأولى وتتلاشى. وكلما وقفت أمام إحدى القطع المعروضة، أخذتني من يدي إلى عالمها، فطبق القش، أعادني إلى بهو دارنا، حيث كانت أمي تصنع من القش أطباقاً بألوان مختلفة، وأشكال متنوعة! والمنقلة طارت بي إلى حارتنا في القرية، حين كان يجتمع كبار السن حولها، ولا تسمع سوى دحرجة الأحجار بين حفرها.
أمّا الصور الفوتوغرافية فتلك حكاية أخرى، أبطالها وجوه لسوريين، وأماكن شاهدتها حين كنت هناك، وبيوت طينية، وقباب! كلها تحكي حكاية بلد كان حيّاً، وسيحيا فكل الطغاة عابرون!
كل “إلى” هي “مِن” جديدة!
وبالنسبة للكلمات المتناثرة في أرض القاعة، فهي تمثل المراحل التي يمرّ فيها الإنسان أثناء طريقه الذي يبدأ دائماً بـ “من” ولا ينتهي بــ “إلى”، التي قد تتحول يوماً ما إلى “من” في رحلة جديدة! فهناك التحول والتغيّر والتكيّف.. إلخ.
أثناء تنقل بصرك في أرجاء المعرض، سيتعثر بأرقام منتشرة على الجدران بعشوائية. لكن عيناي مرّت عليها مرور الكرام. لتنبهني مريم بشیش القائمة على المعرض والمنفذة له إلى أنها ليس مجرّد أرقام، بل هي تشير إلى المقتنيات من المجموعة (السورية) التي فُقدت أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية من المتحف الإثني، والتي تشكّل انعكاساً للخسارات التي تنتج عن الحروب.
معرض مختلف
وبتنبيه مريم تأكدتُ أنني لو كنت فوتُّ زيارة المعرض، لخسرت الكثير! وللمصادفة ولتكتمل المتعة كانت زيارة “من.. إلى.. زركشات تراثية” هي أوّل زيارة لمعرض يقام في متحف، بعد سنة ونصف من الإغلاق بسبب وباء كورونا! وليس هذا الأمر الوحيد الذي جعلها مختلفة، فاختلاف طريقة العرض، وتعليقات المشاركين في “المشروع البحثي التشاركي السوري” على القطع المعروضة زاد المعرض أهمية! كذلك أمر آخر وجود قطع من الحاضر عُرضت إلى جانب المقتنيات التراثية لتتمم فكرة المعرض: مثال لوحة “بيت قديم من الذاكرة” للفنان السوري محمود شيخاني! أو “بلاي ستيشن” للكاتب دلير يوسف.. إلخ، وجميعها لها قصة تتعرفون عليها وعلى قطع أخرى عند زيارة المعرض!
- العنوان
ضمن متحف الثقافات الاوروبية
Arnimallee 25, 14195 Berlin - توقيت الزيارة
الثلاثاء – الجمعة : من 10 صباحا – حتى 17.00 مساء
السبت والاحد: من 11.00 صباحا – حتى 18.00 مساء - ملاحظة
يمكن شراء البطاقات مباشرة داخل المبنى.
حملة برلين باس يمكنهم الدخول المجاني - للاطلاع على نشاطات أخرى تابعة للمعرض يمكنك الضغط هنا