كانت سناء حمداني في السادسة من عمرها عندما اضطرت لمغادرة العراق إلى سوريا، وهناك قضت أربع سنوات أخرى من حياتها في انتظار موافقة السفارة الألمانية بدمشق على لم شمل أسرتها، واللحاق (مع والدتها) بوالدها الذي سبقهما إلى المانيا كلاجئ، كان ذلك في 2002، وحينها كانت كل مؤهلات بنت العاشرة، الوافدة الجديدة إلى مجتمع جديد ومختلف هي: شهادة الصف الرابع وإصرار كبير على الدراسة في مستوى الأذكياء حسب نظام التعليم الألماني.
لكن مؤهلاتها بعد 15 عاما من الجهد، أصبحت شهادة جامعية في الصحافة المتعددة الوسائط ولغة جديدة، وخبرة عمل في مؤسسات إعلامية ألمانية، ورغبة في خدمة مجتمعها وبنات جنسها تحديدا، لتبدأ مشوار التألق كمقدمة محترفة للبرامج في واحدة من أعرق مؤسسات الإعلام في العالم (DW).
الفضول.. الإصرار وترتيب الأولويات!
امتلكت سناء فضولا كبيرا لمعرفة قصص الناس من حولها، فقد عاشت بدورها قصة نوعية في ثلاثة مجتمعات مختلفة، وبدأت تبحث عن قصص غيرها، ليس لتعد موادا صحفية عادية وتحصل على المال! لكن لنقل قصص الناس وتجاربهم لبعضهم البعض للاستفادة منها في حياتهم. ولأن الصحافة تخصص جامعي يخضع لتنافسية عالية في ألمانيا، ويقبل عشرة فقط من بين آلاف المتقدمين لكل تخصص في الجامعة التي درست فيها، بذلت سناء الجهد اللازم لوضع اسمها بقائمة العشرة المقبولين.
كانت تنتظر قدوم مولودها الأول لتصبح أما، وبالتزامن تنتظر قبول الجامعة لتصبح طالبة صحافة، جاء الاثنان معا، ورغم كونها في إجازة أمومة، قررت التوفيق بين تربية طفلها وحضور جامعتها، لتبدأ يومها طالبة، وتعود إلى منزلها أما وربة بيت وطالبة أيضا، لكن لولا اهتمام والدتها بطفلها أثناء غيابها عنه، وتفهم زوجها لما حققت هدفها.
احرص على التميز ولا تقبل أن تكون شخصا عاديا، صمم على الوصول لهدفك ولا تستسلم للتحديات، وابحث عن الفرص ولا تنتظرها! هذه وصفة النجاح التي اتبعتها سناء، فبينما كان زملاؤها يقضون إجازاتهم الجامعية راحة وسفر، كانت تتجه إلى التطبيق العملي كمتدربة في مؤسسات إعلامية معروفة، لتبدأ صناعة اسمها الإعلامي وهي طالبة جامعية.
الانطلاقة.. النجاح.. والتجديد!
خلال عامي (2015، 2016)، قدمت سناء تقاريرعن اللاجئين، فأصبح اسمها معروفا لدى شركة إنتاج ألمانية، تواصلت معها لتقدم حلقات برنامج الصدمة على قناة (MBC)، عند تصويره في ألمانيا، وكانت تلك الانطلاقة مقدمة كبيرة أدت إلى نتيجة أكبر لاحقا، وتلك التجارب المبكرة جعلتها جاهزة للعمل في الصحافة عند تخرجها من الجامعة عام 2017، لتصبح مذيعة لبرنامج (عين على أوروبا).
خلال برنامجها (عين على أوروبا) قدمت اهتمامات المجتمع الأوروبي سياسياً واجتماعياً وثقافياً وكيف يعيشون حياتهم اليومية للجمهور العربي! لكنها لم تكتفِ بذلك، واهتمت على الدوام بالمرأة العربية ونجاحاتها رغم ما تتعرض له من عنف وتهميش في مجتمعها، حيث تقدمت بمقترح للقناة لعرض برنامج “لأني امرأة” الذي يقدم نماذج نجاح للمرأة العربية خاصة البعيدة عن الأضواء، لتبدأ تجربة جديدة في حياتها المهنية، وتنجح في التوفيق بين التزاماتها المهنية والعائلية، بما في ذلك من صعوبات حقيقية، تسميها سناء (تحديات) وتنجح في التغلب عليها.
في برنامجها الجديد (لأني امرأة)، بدأت سناء بتقديم نماذج نجاح نساء عربيات في أوروبا، فحققت نجاحا وانتشارا سمح بتوسيع دائرة العمل، واستهداف المرأة العربية الناجحة في مجتمعها الأصلي، وحصد البرنامج متابعات بأرقام مليونية، وبعد تسجيلها الموسم الأول منه في دبي وعُمان والمغرب ومصر ولبنان وألمانيا، توسع الموسم الثاني ليشمل تونس وهولندا والسويد، وسعيا إلى كسر الانطباع السائد في الغرب عن المرأة العربية، ترجم البرنامج إلى اللغتين الألمانية والانجليزية، ليتفاجأ المجتمع الغربي بالمرأة العربية التي قدمتها سناء بطرق وقصص ومجالات متنوعة.
لا تبحث سناء عن المرأة المشهورة فحسب، بل تنقب عن المرأة القوية الناجحة التي تجاوزت واقعها، بشكل مباشر من خلال الزيارات للبلدان العربية، ومواقع التواصل الاجتماعي والأخبار، أو عبر شبكة التواصل في فريقها، بحثا عن كل من تستحق تسليط الضوء على تجربتها في برنامجها، وهذا جعلها تقدم نماذج جديدة ومختلفة بما يحفظ للبرنامج قدرته على التشويق والنجاح، ويلهم النساء الأخريات من تجارب ضيفاته.
دروس التجربة والمستقبل والعراق!
من خلال تجربتها، والتحديات التي تغلبت عليها، ترى سناء أن اللغة مهمة للاندماج في المجتمع المضيف، وأن فرض المرأة وجودها لا يعفيها من مواجهة المواقف غير المريحة التي يتعرض لها الأجنبي في مجتمعه الجديد فقط! بل يساعدها في الحصول على دعم المجتمع المضيف الذي يتباهى ويفرح بتجارب نجاح أعضائه الجدد. وهذا النجاح يسهل أيضا حصول العضو الجديد على دعم الدولة، بقدر عزيمته وجهده.
بما حققته من نجاح، تحب سناء مساعدة النساء الأخريات على تحقيق طموحاتهن وتوصيل أصواتهن إلى الغرب وإلى مجتمعاتهن، وتحرص على استمرار منفعتها لمجتمعها، والمحافظة على نجاحها، وتتمنى من الرجل العربي الوقوف إلى جانب المرأة كأب وأخ وزوج، فقد يكون سر نجاحها في الحياة، ونجاح المرأة سيغير المجتمع إلى الأفضل.
ولأنها تحمل العراق داخلها، تحرص على تقديم نفسها كـ”ألمانية من أصول عراقية”، وتتذكر دموع والدتها وآلامها نتيجة الحرب التي دمرت بلدها، وتتمنى أن يستعيد العراق صورته المرسومة في ذاكرة أمها، ويغادر الصورة التي رأته فيها عند زيارتها الوحيدة إليه في 2008: “العراق بقلبي وسيظل بقلبي، وبيرجع بيوم ينهض ويعود مثل ما حكت لي عنه أمي”! هكذا قالت سناء..
- إعداد وتقرير: سماح الشغدري
شاعرة وكاتبة من اليمن - Photo: Nael Nassar